أمريكا تبتكر شبكة أقمار صناعية بالذكاء الاصطناعي لمواجهة التهديدات الصينية

لطالما كانت الهيمنة الأمريكية في الفضاء تعتمد بشكل رئيسي على شبكة ضخمة من الأقمار الصناعية العسكرية التي تغطي نطاقًا واسعًا من المهام الحيوية بما في ذلك الاتصالات والمراقبة والتجسس، ولكن هذا التفوق الذي كانت تتمتع به الولايات المتحدة يواجه الآن تحديات كبيرة من قبل الصين التي تسعى جاهدًا لتقليص الفجوة في القدرات الفضائية مع خصومها، وهو ما يهدد استقرار أنظمة الأقمار الصناعية الأمريكية، وقد أظهرت التقارير الأخيرة التي نشرتها Defense News في الشهر الماضي أن البحرية الأمريكية تعمل على تطوير شبكة من الأقمار الصناعية المستقلة التي تتمتع بقدرة على التنقل بشكل مستقل دون الحاجة إلى الاعتماد على أنظمة GPS أو التحكم الأرضي، وذلك بهدف تعزيز الأمن الفضائي الأمريكي في ظل التهديدات المتزايدة التي تلوح في الأفق.
البنية التحتية للأقمار الصناعية
الهيمنة على الفضاء تعد قضية استراتيجية حيوية بالنسبة للدول الكبرى، حيث توفر السيطرة على البنية التحتية للأقمار الصناعية تفوقًا استخباراتيًا كبيرًا، فضلاً عن القدرة على تنفيذ ضربات دقيقة في أي نزاع عسكري قد ينشأ في المستقبل، وفقًا لميلاني غارسون، أستاذة العلاقات الدولية في جامعة University College London، والتي أكدت أن الذكاء الاصطناعي يمثل أداة قوية في تعزيز قدرات المراقبة والتجسس، بالإضافة إلى تمكين الأقمار الصناعية من مواجهة الهجمات الإلكترونية أو الحروب الطيفية التي قد تشنها دول منافسة مثل الصين وروسيا.
الأقمار الصناعية العسكرية
وتمتلك الولايات المتحدة مئات من الأقمار الصناعية العسكرية التي تدور في مدار الأرض، لكن الصين وروسيا تسعيان إلى تقليص هذه الفجوة من خلال تعزيز قدراتهما في الفضاء عبر برامج متطورة تهدف إلى منافسة التفوق الأمريكي في هذا المجال، وفي حال نشوب صراع بين الولايات المتحدة والصين، يرى الخبراء العسكريون أن بكين تمتلك القدرة على إلحاق أضرار جسيمة بالأصول الفضائية الأمريكية باستخدام تقنيات الحرب المضادة للأقمار الصناعية (ASAT)، وهو ما يشمل القدرة على برمجة الأقمار الصناعية الصينية لاستهداف الأقمار الأمريكية في الفضاء.
القرصنة الإلكترونية
ووفقًا لتقرير مسرّب من وكالة المخابرات المركزية (CIA) في عام 2023، تبين أن الصين تركز جهودها على تطوير قدرات متقدمة في مجال القرصنة الإلكترونية، والتي تهدف إلى استهداف الأنظمة التي تتحكم في الشبكات الأمريكية للأقمار الصناعية، وهو ما يسمى بـ “حرب المواجهة وتدمير الأنظمة”، وهو تكتيك عسكري بارز في استراتيجيات الحروب المستقبلية التي قد تستخدمها الصين، وبناءً على التقرير، فإن تعطيل هذه الأنظمة قد يؤدي إلى شلل كامل في عمليات نقل الاتصالات والبيانات بين الأقمار الصناعية، مما يعرض التفوق الفضائي الأمريكي إلى تهديد مباشر.
التهديدات المتزايدة
في مواجهة هذه التهديدات المتزايدة، يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا محوريًا في تعزيز قدرة الأقمار الصناعية الأمريكية على الاستمرار في أداء مهامها بكفاءة، حيث يمكن أن يوفر للأنظمة الفضائية القدرة على العمل بشكل مستقل، دون الحاجة إلى التدخل البشري بشكل مستمر، وفقًا لكلايتون سوب، نائب مدير مشروع أمن الفضاء في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، الذي أشار إلى أن الأقمار الصناعية المستقلة ستكون أقل عرضة للهجمات الإلكترونية أو التشويش على الإشارات، لأنها لن تعتمد بشكل كبير على البنية التحتية الأرضية مثل الأنظمة التقليدية، مما يعزز من مرونتها في مواجهة التهديدات الخارجية.
وتضيف كريستا لانجلاند، نائبة رئيس مبادرة RAND الفضائية، أن الذكاء الاصطناعي يمكنه المساعدة في اكتشاف الهجمات الفضائية والتفاعل معها بشكل فوري، مما يعزز مرونة أنظمة الأقمار الصناعية ويقلل من تأثير الهجمات المعادية التي قد تتعرض لها، وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في معالجة كميات هائلة من البيانات الفضائية بشكل أسرع وأكثر كفاءة، وكذلك التعرف بسرعة على الأقمار الصناعية المعادية واتخاذ الإجراءات الوقائية مثل المناورة الذكية لتجنب التصادمات أو الهجمات المتعمدة من قبل الخصوم.
رغم التقدم الكبير في هذا المجال، فإن تحقيق الاستقلالية الكاملة للأقمار الصناعية لا يزال بحاجة إلى فترة زمنية تتراوح بين 10 إلى 15 عامًا للوصول إلى مستوى الاستقلالية الكامل، كما أشار فرانك كالفيللي، المسؤول السابق عن عمليات الاستحواذ في القوة الفضائية الأمريكية، ومع ذلك، فإن الجهود الأمريكية في هذا الاتجاه تتسارع، حيث كشفت البحرية الأمريكية عن مشروع “Autosat”، وهو نموذج أولي لقمر صناعي مستقل بالكامل.
وقال ستيفن ميير، مدير مختبر الأبحاث البحرية في قمة عُقدت مؤخرًا في ولاية فيرجينيا، إنهم قد أثبتوا مبادئ النظام في تجارب سابقة، وهم الآن بصدد البحث عن تمويل لبناء نظام متكامل ثم إطلاقه في الفضاء، مما يشير إلى أن الولايات المتحدة تواصل تعزيز قدراتها الفضائية استعدادًا لمواجهة التهديدات المستقبلية.
في الختام، تستعد الولايات المتحدة لدخول عصر جديد في السباق الفضائي، حيث سيكون للذكاء الاصطناعي دورًا حاسمًا في تعزيز الأمن الفضائي والوقاية من الهجمات الصينية والروسية، ورغم أن الوصول إلى أقمار صناعية ذاتية التحكم بالكامل لا يزال قيد التطوير، فإن الجهود المتسارعة التي تبذلها أمريكا تشير إلى مستقبل تقني قد يعيد رسم موازين القوى في الفضاء.