احذر هذا الذنب وعجل بالتوبة.. هل الغيبة والنميمة تفسدان الصيام في رمضان؟

مع حلول شهر رمضان المبارك، يسعى المسلمون إلى التزود بالطاعات والعبادات والتقرب إلى الله، إلا أن هناك بعض الذنوب التي قد يقع فيها البعض دون أن يدركوا مدى خطورتها على الأجر والثواب، ومن أبرز هذه الذنوب الغيبة والنميمة، حيث تعدّان من الآفات الاجتماعية الخطيرة التي تؤثر على الصيام، فهل الغيبة والنميمة تبطل الصيام؟ وما هو تأثيرها على الأجر والثواب في هذا الشهر الكريم؟.
حكم الغيبة والنميمة أثناء الصيام
أكدت لجنة الفتوى التابعة لمجمع البحوث الإسلامية أن الغيبة والنميمة من الكبائر التي نهى عنها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، مشيرة إلى أن الصائم يجب أن يجتنب كل ما يمكن أن يقلل من أجر صيامه، وأضافت اللجنة أن الغيبة والنميمة لا تبطلان الصيام من الناحية الفقهية، ولكنها تقلل من الأجر وقد تحرم الصائم من الثواب الكامل لصيامه، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: “رُبَّ صائمٍ ليسَ لهُ من صيامِهِ إلَّا الجوعُ والعطشُ”، وهذا دليل على أن ارتكاب المعاصي أثناء الصيام قد يجرده من الثواب المرجو.
أدلة تحريم الغيبة والنميمة
ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية العديد من الأدلة التي تحذر من خطورة الغيبة والنميمة، حيث قال الله تعالى في كتابه العزيز: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ” (الحجرات: 12).

كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: “مر النبي -صلى الله عليه وسلم- على قبرين فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من البول” (رواه البخاري ومسلم).
الفرق بين الغيبة والنميمة
يوضح علماء الدين أن الغيبة تختلف عن النميمة في طبيعتها وتأثيرها، فالغيبة تعني ذكر شخص في غيابه بما يكره، سواء كان ذلك صحيحًا أم لا، أما النميمة فتعني نقل الكلام بين الناس لإحداث الفتنة وإشعال الخلافات بينهم، وكلاهما من المحرمات التي تؤدي إلى الفساد والتفكك الاجتماعي، وتتنافى مع أخلاق الصائم التي يجب أن تكون قائمة على الصدق وحفظ اللسان.
عواقب الغيبة والنميمة في رمضان
على الرغم من أن الغيبة والنميمة لا تفسدان الصيام من الناحية الفقهية، إلا أنهما تؤثران بشكل مباشر على روح الصيام وهدفه الأساسي، فقد شُرع الصيام لتربية النفس على التقوى والإخلاص والابتعاد عن المحرمات، وعندما يقع الصائم في مثل هذه الذنوب، فإنه يخالف جوهر الصيام، مما قد يحول دون حصوله على المغفرة والرحمة التي وعد الله بها عباده الصائمين.
كفارة الغيبة والنميمة في رمضان
حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على الاستغفار والتوبة لمن وقع في الغيبة أو النميمة، وقد بيّن مجمع البحوث الإسلامية أن التكفير عن هذا الذنب يكون بالاستغفار لمن اغتابه الإنسان، والدعاء له بالخير، بالإضافة إلى الإكثار من قول: “سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ”، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من جلس في مجلسٍ فكثر فيه لغطُهُ، فقال قبل أن يقومَ من مجلسِهِ: سبحانك اللهم وبحمدِك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرُك وأتوبُ إليك، إلا غُفِرَ له ما كان في مجلسِهِ ذلك” (رواه الترمذي).
مبطلات الصيام التي يجب تجنبها
أوضح العلماء أن مبطلات الصيام التي تؤدي إلى بطلان الصيام بالكامل تنحصر في عدة أمور، منها:
الأكل والشرب عمدًا
الجماع أثناء الصيام
تعمد القيء
خروج دم الحيض أو النفاس
الردة عن الإسلام
أما الغيبة والنميمة فهي لا تبطلان الصيام، لكنها تنقص من أجره بشكل كبير، لذلك يجب على الصائم الحرص على تجنب هذه الذنوب قدر المستطاع.
فضل الصيام وأهميته
شهر رمضان هو شهر الرحمة والمغفرة، وقد وعد الله عباده الصائمين بعظيم الأجر، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: “مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”، كما بيّن صلى الله عليه وسلم أن الصيام جُنَّة (أي وقاية) من النار، فقال: “الصيام جُنة” (رواه البخاري ومسلم).
ومن أعظم فضائل الصيام أن الله سبحانه وتعالى خصّ الصائمين بباب في الجنة يسمى باب الريّان، لا يدخل منه إلا الصائمون، وهذا يدل على عظم مكانة الصوم في الإسلام.
نصائح للحفاظ على صيام مقبول
لكي يكون الصيام مقبولًا عند الله، يجب على المسلم أن يتحلى بالأخلاق الفاضلة، ويجتنب كل ما يمكن أن ينقص من أجره، ومن أهم النصائح:
تجنب الغيبة والنميمة والحفاظ على نقاء اللسان
الإكثار من الذكر والاستغفار
التصدق والإحسان إلى الآخرين
قراءة القرآن والتدبر في معانيه
الحرص على أداء الصلاة في وقتها
الغيبة والنميمة من الذنوب التي يجب على المسلم اجتنابها، خاصة في رمضان، حيث يسعى كل مسلم إلى تحقيق أقصى درجات القرب من الله، لذا فمن الواجب على كل صائم أن يكون أكثر حرصًا على حفظ لسانه، والالتزام بآداب الصيام ليحصل على الثواب العظيم الموعود به، ولينال المغفرة والرحمة في هذا الشهر المبارك.