رحيل البابا فرانسيس.. جنازة بروح متواضعة تُعيد الكنيسة إلى جذورها

توفي صباح اليوم الاثنين البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، عن عمر ناهز 88 عامًا، بعد حياة حافلة امتدت لعقود، قاد فيها الكنيسة الكاثوليكية نحو مسارات جديدة من الانفتاح والتجدد، وظل حتى أيامه الأخيرة رمزًا للتواضع والدعوة للسلام. وتستعد روما، والعالم الكاثوليكي، لوداع رجل اختار أن يكون قريبًا من الفقراء، حتى في مماته.
دفن مختلف.. ووصية البابا تتحقق
كان البابا الراحل قد أعرب قبل أكثر من عشر سنوات عن رغبته في أن يُدفن في كنيسة سانتا ماريا ماجوري، وهي واحدة من أقدم كنائس روما تعود للقرن الخامس، مكرسة للسيدة العذراء مريم. ورغم أن هذا المكان لم يُدفن فيه أي بابا منذ القرن السابع عشر، إلا أن الوصية ستُنفذ، في خطوة تعكس خروجه عن الأعراف المتبعة منذ عقود طويلة.
تلك الكنيسة كانت ملاذًا روحيًا دائمًا للبابا فرانسيس، وكان يزورها باستمرار للصلاة قبل وبعد كل رحلة رسولية، فكان لها مكانة خاصة في قلبه منذ انتخابه على رأس الكنيسة في عام 2013.
تفاصيل الجنازة.. ثلاث مراحل بطقوس مبسطة
وفقًا لما كشفته شبكة "سي بي إس نيوز" الأمريكية، فإن جنازة البابا فرانسيس ستُجرى على ثلاث مراحل، مع الالتزام بتوجيهاته التي أوصى بها في حياته بتبسيط الطقوس والتقليل من المظاهر الرسمية.
المرحلة الأولى: إعلان الوفاة وتجهيز الجثمان
تبدأ الطقوس في الكنيسة الخاصة بالبابا بعد تأكيد وفاته من الأطباء، حيث يُشرف الكاردينال المسؤول عن شؤون البابا المعروف بـ«الكاميرلينغو»، وهو حاليًا الكاردينال كيفن جوزيف فاريل، على الترتيبات. ويقوم بمناداة اسم البابا كاملًا بصيغته المعمودية "خورخي ماريو بيرغوليو"، كما تقتضي التقاليد.
يُغسل الجثمان ويُلبس الثوب الأبيض والرداء الأحمر، ثم يُنقل في نعش خشبي بسيط إلى كاتدرائية القديس بطرس، حيث تبدأ المرحلة الثانية.
المرحلة الثانية: التشييع العام
في كاتدرائية القديس بطرس، سيوضع الجثمان في نعشه المفتوح، دون منصة مرتفعة كما كان معتادًا في الماضي، في لفتة رمزية على تواضعه. وستمتد فترة التشييع لثلاثة أيام، تسمح للمؤمنين بتوديع البابا عن قرب، قبل أن يُغلق النعش ويوضع عليه غطاء أبيض بسيط.
بعكس التقاليد القديمة التي استخدمت ثلاثة توابيت من خشب السرو والرصاص والدردار، سيُدفن البابا في نعش واحد من خشب البلوط. وسيتضمن النعش وثيقة حبريته، وكيسًا من العملات المعدنية يمثل سنوات بابويته.
قداس خاص.. وأجواء روحانية في شتاء روما
من المقرر إقامة القداس الجنائزي في كاتدرائية القديس بطرس، وعلى الأرجح سيتم داخلها نظرًا للطقس البارد في العاصمة الإيطالية. وستُقام مراسم الصلاة بحضور قادة الكنيسة وكبار المسؤولين وعدد كبير من المؤمنين، فيما ستُعرض الجنازة على شاشات في الساحات الخارجية لإتاحة المشاركة للجماهير.
المرحلة الثالثة: موكب الدفن إلى سانتا ماريا ماجوري
في ختام القداس، يُنقل النعش في موكب خاص يعبر شوارع روما إلى كنيسة سانتا ماريا ماجوري، حسب رغبة البابا. وسترافقه سيارات خاصة تضم الكرادلة والمقربين من الدائرة البابوية.
بمجرد الوصول إلى الكنيسة، تُقام صلوات ختامية مع رش الماء المقدس، ثم يُوضع الجثمان في مثواه الأخير داخل الكنيسة، في مكان لن يُفتح للجمهور إلا لاحقًا، ليكون مزارًا للتأمل والتبجيل.
وداعًا يا بابا التواضع
برحيل البابا فرانسيس، تطوي الكنيسة الكاثوليكية صفحة قائد روحي لطالما نادى بالسلام، وبالرحمة، وبحقوق المهاجرين والفقراء. عاش بسيطًا، وها هو يُودع العالم بجنازة بسيطة، متخليًا عن مظاهر الفخامة، ومُتمسكًا بروح الأُخُوة التي عاش ينادي بها.
لقد خسر العالم صوتًا إنسانيًا ظل طوال سنواته البابوية يدعو إلى المحبة فوق كل شيء، وسيظل أثره باقيًا، لا في الفاتيكان فحسب، بل في قلوب الملايين حول العالم.