بوتين وويتكوف يناقشان مستقبل العلاقات الروسية الأمريكية والأزمة في أوكرانيا

وصف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب اللقاء الذي جمع مبعوثه الخاص ستيفن ويتكوف بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة الروسية موسكو بـ«الاجتماع الجيد»، مشيرًا إلى أنه يأتي في إطار جهود مستمرة لإعادة قنوات التواصل الفعال بين واشنطن وموسكو، رغم تعقيدات المشهد الدولي.
ونقلت وكالة «رويترز» عن ترامب قوله إن ويتكوف أجرى اجتماعًا جيدًا، دون الخوض في تفاصيل إضافية بشأن ما دار خلال اللقاء، ما فتح باب التأويلات حول طبيعة المحادثات التي امتدت لثلاث ساعات متواصلة خلف أبواب الكرملين المغلقة.
لقاء في الكرملين استمر ثلاث ساعات
الاجتماع الذي عقد اليوم الجمعة بين بوتين وويتكوف، جاء بعد نحو أسبوعين فقط من لقاء سابق جمع الطرفين في سانت بطرسبرغ يوم 11 أبريل الجاري، ما يعكس وتيرة متسارعة في التواصل بين الجانبين، رغم التوترات المتواصلة على الساحة الأوكرانية والعلاقات المعقدة بين موسكو وواشنطن.
وبحسب ما أعلنته الرئاسة الروسية، فقد استغرق الاجتماع نحو ثلاث ساعات، وهو ما يشير إلى عمق الموضوعات المطروحة على الطاولة، خاصة في ظل التصعيد المستمر في شرق أوكرانيا، والانخراط الغربي المتزايد في دعم كييف سياسيًا وعسكريًا.
الكرملين.. دبلوماسية مكوكية وفرصة لتوضيح المواقف
المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف وصف زيارة ويتكوف الثانية خلال أقل من أسبوعين بأنها تأتي في سياق "دبلوماسية مكوكية"، تهدف إلى فتح مسارات تفاهم جديدة وتبادل وجهات النظر، وسط الجمود الذي يخيّم على الجهود الدبلوماسية الدولية لتسوية الصراع.
وقال بيسكوف في تصريحات للصحفيين عقب اللقاء إن اللقاء شكل فرصة جيدة لنقل موقف روسيا إلى الجانب الأمريكي، مؤكدًا أن موسكو منفتحة على الحوار، لكنها متمسكة بمواقفها الاستراتيجية فيما يخص الأمن القومي الروسي و«الخطوط الحمراء» المتعلقة بالسيادة والأمن الإقليمي.
وأضاف بيسكوف أن القيادة الروسية تنظر إلى تكرار هذه اللقاءات على أنه مؤشر على رغبة أمريكية ولو أولية في استكشاف حلول دبلوماسية بديلة، بدلًا من استمرار المواجهة عبر التصريحات والمواقف المتشددة في المحافل الدولية.
تساؤلات عن توقيت وسياق التحرك الأمريكي
رغم أن التصريحات الرسمية من الجانبين كانت مقتضبة، فإن توقيت اللقاء يطرح تساؤلات عدة، خصوصًا أنه يأتي بالتوازي مع تقارير تشير إلى تغييرات محتملة في موقف بعض القوى الغربية تجاه دعم أوكرانيا، في ظل التحديات الاقتصادية الداخلية، وضغوط الرأي العام في بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة.
ويُنظر إلى تحرك ويتكوف كجزء من محاولة أمريكية لإعادة ضبط إيقاع التفاوض مع موسكو، خصوصًا مع تعاظم القلق الدولي من اتساع رقعة النزاع وتأثيراته على الاستقرار العالمي، بما في ذلك الأمن الغذائي وأزمة الطاقة.
ويشير مراقبون إلى أن إدارة ترامب رغم كونها خارج الحكم حاليًا تحاول عبر قنواتها غير الرسمية التمهيد لرؤية سياسية مغايرة، قد تطرح نفسها في حال عودته المحتملة إلى السلطة، في ظل تصاعد وتيرة الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة.
موسكو تتمسك بمواقفها وواشنطن تحاول الاختراق
في مقابل هذا الحراك الأمريكي، تواصل موسكو التأكيد على ثوابتها في الملف الأوكراني، وفي مقدمتها رفض توسع الناتو، واعتبار الدعم العسكري الغربي لكييف تصعيدًا غير مقبول.
وبينما تبدي روسيا استعدادًا للحديث، فهي تصرّ على أن أي مفاوضات حقيقية يجب أن تنطلق من الاعتراف بواقع السيطرة الروسية في بعض المناطق، وضمانات أمنية جدية.
أما الجانب الأمريكي، فيسعى فيما يبدو إلى اختبار مدى استعداد روسيا للدخول في حوار مباشر، قد يُمهد لمسار جديد يقلّص منسوب التوتر، لكن دون التراجع عن دعم أوكرانيا بشكل مطلق، وهي معادلة لا تزال تبدو معقّدة وغير ناضجة تمامًا من جهة الطرفين.
لقاءات قادمة أم اختبار نوايا؟
رغم عدم الإعلان عن جدول زمني للقاءات مستقبلية، فإن وتيرة اللقاءات الحالية تشير إلى احتمال استمرار التواصل بين بوتين وويتكوف، سواء بشكل مباشر أو عبر وسطاء، في حال أفضت اللقاءات الحالية إلى نقاط تقاطع واضحة أو أرضية مشتركة يمكن البناء عليها.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل نحن أمام تحوّل حقيقي في المسار الدبلوماسي، أم أن هذه اللقاءات لا تزال في إطار «اختبار النوايا» وجسّ النبض بين قوتين تقفان على طرفي نقيض منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا؟
الأيام والأسابيع المقبلة قد تحمل مؤشرات أوضح، لكن الثابت أن كا من موسكو وواشنطن يدركان أن استمرار القطيعة ليس خيارًا مستدامًا، وأن العالم في حاجة ماسّة إلى تخفيف التوترات، لا إشعالها.