بمشاركة عسكرية ودبلوماسية رفيعة.. موسكو تتحضر لجولة تفاوض جديدة مع كييف

في خطوة جديدة ضمن الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تحريك المياه الراكدة في الأزمة الروسية الأوكرانية، أعلن الكرملين، اليوم، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد صدّق رسميًا على تشكيل الوفد الروسي الذي سيمثل موسكو في جولة المحادثات المقبلة مع أوكرانيا، والتي من المرتقب عقدها في مدينة إسطنبول التركية.
ووفقًا للبيان الصادر عن الكرملين، فإن تشكيل الوفد يأتي في إطار حرص القيادة الروسية على دفع مسار التفاوض السياسي، وسط تعقيدات ميدانية وعسكرية تشهدها الساحة الأوكرانية منذ اندلاع الحرب في فبراير 2022.
أسماء بارزة في قائمة الوفد.. ميدينسكي على رأس الفريق
«مشاركة عسكرية ودبلوماسية».. وبحسب التفاصيل التي أوردها البيان، فإن مساعد رئيس روسيا الاتحادية، فلاديمير ميدينسكي، سيتولى رئاسة الوفد المفاوض، وهو ما يعكس استمرار الرهان على شخصية لها باع طويل في دوائر السياسة والفكر داخل روسيا.
ويُعد ميدينسكي من أبرز المقربين من الرئيس بوتين، وقد سبق له أن قاد الوفد الروسي في جولات تفاوضية سابقة مع أوكرانيا خلال العام الأول من الحرب، ما يُضفي على التشكيل طابع الاستمرارية في التوجهات السياسية الروسية.
كما يضم الوفد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل غالوزين، المعروف بخبرته في ملفات الأمن الإقليمي والعلاقات مع دول الجوار، بالإضافة إلى إيغور كوستيوكوف، رئيس المديرية العامة لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، وألكسندر فومين، نائب وزير الدفاع.
إشارات واضحة حول طبيعة التفاوض
«مشاركة عسكرية ودبلوماسية».. ويحمل تشكيل الوفد إشارات واضحة حول أهمية المحادثات من المنظور الروسي، خاصة مع مشاركة شخصيات عسكرية رفيعة، مما يُرجّح أن الجوانب الأمنية والعسكرية ستكون حاضرة بقوة على طاولة الحوار.
وبحسب مراقبين، فإن إشراك كوستيوكوف وفومين في الوفد يعكس نية موسكو في التفاوض على قضايا ذات طابع عسكري واستراتيجي، ربما تشمل وقف إطلاق النار، ترتيبات أمنية، مناطق النفوذ، أو حتى مستقبل منطقة دونباس وشبه جزيرة القرم.
تركيا تواصل دور الوسيط النشط
ويأتي اختيار إسطنبول كموقع للمفاوضات ليؤكد على استمرار تركيا في أداء دور الوسيط الفاعل بين الطرفين، كما فعلت سابقًا في محادثات الحبوب واتفاقيات وقف إطلاق النار الجزئية.
وقد حافظت أنقرة، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، على علاقات متوازنة مع كل من موسكو وكييف، ما أتاح لها مساحة للوساطة، رغم التوترات الدولية والانقسامات الحادة بين المعسكرين الغربي والروسي.
أوكرانيا لم تعلن بعد تشكيل وفدها
وفي الوقت الذي أعلنت فيه روسيا عن تشكيلة وفدها، لم تُصدر السلطات الأوكرانية بعد بيانًا رسميًا يكشف عن أسماء ممثليها في هذه الجولة من المحادثات، إلا أن مصادر مطلعة تشير إلى أن الجانب الأوكراني قد يُرسل وفدًا يجمع بين المسؤولين الدبلوماسيين والعسكريين، مع مشاركة محتملة من مستشاري الرئيس فولوديمير زيلينسكي.
ويُتوقع أن تشمل أجندة اللقاءات قضايا جوهرية مثل وقف العمليات العسكرية، تبادل الأسرى، قضايا الحدود، ونزع الألغام، إضافة إلى موضوعات إنسانية تتعلق بإغاثة المناطق المتضررة.
الآمال متواضعة.. لكن الأبواب لم تغلق
وعلى الرغم من الإعلان الروسي، يبقى مستوى التفاؤل الدولي محدودًا إزاء تحقيق اختراق حقيقي في هذه الجولة، خاصة مع تصاعد الأعمال القتالية في جبهات شرق وجنوب أوكرانيا مؤخرًا، واستمرار الدعم العسكري الغربي لكييف.
لكن مجرد موافقة موسكو على الدخول في جولة جديدة من المحادثات، وبتشكيلة تضم قيادات سياسية وعسكرية بهذا المستوى، يُعد تطورًا مهمًا في حد ذاته، ويعكس ربما رغبة روسية في إبقاء قنوات التفاوض مفتوحة، ولو لأغراض تكتيكية أو دبلوماسية.
المجتمع الدولي يراقب.. وترقب حذر في العواصم الكبرى
وتُتابع عواصم القرار العالمية، خاصة واشنطن، بروكسل، وباريس، هذه التحركات عن كثب، وسط دعوات غربية متكررة للعودة إلى طاولة المفاوضات كسبيل وحيد لإنهاء الحرب، التي خلّفت آثارًا اقتصادية وإنسانية عميقة في أوكرانيا والمنطقة والعالم بأسره.
كما تراقب الأمم المتحدة تطورات هذه الجولة باعتبارها خطوة محتملة نحو فتح مسارات للحوار الشامل، في ظل تعثر الجهود الدبلوماسية السابقة، وتراجع فرص الحل السياسي منذ أواخر عام 2022.
ختام: انتظار ثقيل لما ستُسفر عنه الجولة
في ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن لهذه الجولة من المحادثات أن تُمهّد الطريق لوقف النزاع أم ستكون مجرد حلقة جديدة في مسلسل المناورات السياسية؟
الجواب لا يزال رهين المعطيات الميدانية وتوازنات القوى على الأرض، لكن المؤكد أن الجميع يترقب إسطنبول، حيث قد تُرسم بعض ملامح المرحلة المقبلة من هذه الحرب المعقدة.