قلبها رفض الرجال وجسدها أذهل الأمراء.. حكاية زينات علوي «راقصة قلب الأسد»

تحل اليوم ذكرى ميلاد الفنانة والراقصة الشهيرة زينات علوي، إحدى أبرز أيقونات الرقص الشرقي في زمن الفن الجميل، والتي ولدت في مثل هذا اليوم من عام 1930، ورحلت عن عالمنا في 5 يناير عام 1988، عن عمر ناهز 58 عامًا، بعد أن عاشت حياة مليئة بالتناقضات ما بين الشهرة والمجد الفني، والعزلة والنهاية الحزينة.
وعلى الرغم من كونها إحدى أشهر راقصات مصر، بل ولقبت بـ«راقصة الأمراء والملوك»، فإن زينات علوي لم تنل ما تستحق من التكريم أو الاحتفاء، سواء في حياتها أو بعد وفاتها، بل إنها ماتت وحيدة داخل شقتها، ولم يُكتشف رحيلها إلا بعد مرور ثلاثة أيام كاملة.
طفولة قاسية دفعتها للهرب من بيت الأسرة
ولدت زينات علوي في الإسكندرية، وكانت تنتمي لأسرة محافظة. عانت منذ طفولتها من قسوة والدها الذي كان يرفض رغباتها في التعبير عن نفسها، وكانت معاملته لها تتسم بالعنف والجمود.
وعندما بلغت السادسة عشرة من عمرها، قررت الهرب من هذا الجحيم الأسري، وتوجهت إلى القاهرة بحثًا عن حياة مختلفة، واختارت أن تصنع مجدها بنفسها.
انضباط لا مثيل له في عالم الرقص
دخلت زينات عالم الرقص الشرقي من أوسع أبوابه، لكنها لم تكن مجرد راقصة، بل كانت صاحبة مدرسة خاصة في الأداء، امتازت برقي الحركة وابتعدت تمامًا عن الابتذال أو المبالغة.
عُرفت بين الوسط الفني بلقب «زينات قلب الأسد»، حيث امتلكت شخصية قوية واعتدادًا شديدًا بنفسها.
كانت زينات تُقيم عروضها الراقصة في أرقى الأماكن، وذاع صيتها بين كبار الشخصيات في الوطن العربي، فكانت الراقصة المفضلة لدى الطبقة الأرستقراطية قبل ثورة يوليو 1952.
وما إن تنتهي من عرضها على المسرح، حتى تذهب مباشرة لغرفتها ومنها إلى بيتها، دون أن تختلط أو تنخرط في أجواء السهرات التي كانت مألوفة لغيرها من نجمات الزمن الجميل.
حب لم يكتمل ورفض الزواج
من الحكايات التي بقيت في ذاكرة الوسط الفني، ما كشفه الفنان الكوميدي الراحل عبد السلام النابلسي، في أحد حواراته الصحفية القديمة، حين اعترف بأنه أحب زينات علوي بشدة بعد مشاركتهما في فيلم «إسماعيل ياسين في البوليس السري» عام 1959، وعرض عليها الزواج، لكنها رفضت العرض بشكل قاطع.
ويُقال إن زينات كانت رافضة لفكرة الزواج عمومًا، وإن علاقتها المعقدة مع والدها تركت أثرًا نفسيًا جعلها ترفض الرجال والحب على حد سواء، قضت سنوات طويلة من حياتها تتهرب من الارتباط، وأوصدت باب قلبها بإحكام.
اعتزال مفاجئ وحياة في الظل
مع مرور الزمن وتغير الذوق العام، بدأت الأضواء تنحسر عن زينات علوي، ووجدت نفسها وحيدة في مواجهة المرض والفقر.
قررت اعتزال الفن تمامًا في ستينيات القرن الماضي، أي قبل وفاتها بنحو 20 عامًا، وابتعدت عن الساحة تمامًا، حتى إن الكثيرين لم يكونوا يعرفون أخبارها أو مكان إقامتها.
عانت زينات من متاعب صحية متلاحقة، وبسبب ضيق ذات اليد، اضطرت إلى بيع أثاث شقتها وبعض متعلقاتها الشخصية، لتتمكن من مواجهة تكاليف الحياة.
لم تلجأ إلى أحد، ولم تطلب مساعدة، بل عاشت في صمت واختارت العزلة الكاملة.
النهاية الصادمة.. ثلاث ليالٍ بعد الموت
رحلت زينات علوي في الخامس من يناير عام 1988، ولم يكتشف أحد وفاتها إلا بعد ثلاثة أيام كاملة، عندما لاحظ الجيران انبعاث رائحة غريبة من شقتها، ليتم كسر الباب والعثور على جثمانها.
كانت النهاية صادمة لجمهور فنانة لطالما أبهرتهم في عز مجدها، لكنها قضت أيامها الأخيرة في وحدة تامة.
لمسة وفاء متأخرة
تمر السنوات وتبقى سيرة زينات علوي حاضرة في ذاكرة محبي الزمن الجميل، الذين يتذكرون رقصها الراقي وشخصيتها المتمردة الرافضة للخنوع.
هي واحدة من القلائل الذين جمعوا بين الموهبة والانضباط والاحترام، فاستحقت أن تُذكر دومًا لا لرقصها فقط، بل لإنسانيتها وتفردها واختياراتها الحياتية القاسية.
وفي ذكرى ميلادها، يستحق اسم زينات علوي أن يعود إلى الواجهة، لا لنبكي على نهايتها، بل لنستعيد مجدها الفني وشجاعتها التي دفعتها لخلق مسار خاص بها، يليق بأسطورة من الزمن الجميل.