الجمعة 30 مايو 2025 الموافق 03 ذو الحجة 1446
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
عاجل

توزيع «الأضحية» على غير المسلمين.. ما موقف الشريعة؟ الإفتاء ترد

الأضحية
الأضحية

الأضحية تمثل واحدة من أبرز شعائر الإسلام التي يجتمع حولها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها خلال عيد الأضحى المبارك، ولأنها عبادة ترتبط بالذبح وتوزيع اللحم، فقد تتعدد الأسئلة الفقهية التي يطرحها الناس مع اقتراب العيد، ومن أبرز هذه الأسئلة التي تلقاها موقع دار «الإفتاء» المصرية هو سؤال: هل يجوز إعطاء غير المسلم من الأضحية؟، وهو سؤال لطالما أثار الفضول لدى الكثيرين ممن يسعون لمعرفة الحكم الشرعي الدقيق بعيدًا عن الانطباعات أو العادات المحلية.

رأي دار الإفتاء في مسألة إعطاء الأضحية لغير المسلم

في رد واضح ومباشر، أكدت دار «الإفتاء» المصرية أن إعطاء غير المسلم من الأضحية أمر جائز شرعًا، حيث لا توجد حرمة في ذلك طالما أن الأمر يتم في إطار إنساني مشروع، وأوضحت أن من السنة للمضحي أن يأكل من أضحيته، وأن يتصدق منها، ويهدي جزءًا منها، وقد استحب كثير من العلماء تقسيمها إلى ثلاثة أثلاث متساوية، وهي ثلث للأكل والادخار، وثلث للصدقة، وثلث للإهداء، وأكدت أن هذا التوزيع يشمل المسلم وغير المسلم على حد سواء إذا توفرت أسباب العطاء مثل الفقر أو القرابة أو الجيرة أو حتى تأليف القلوب.

أدلة شرعية على جواز إعطاء الأضحية لغير المسلم

استندت دار «الإفتاء» إلى عدد من النصوص النبوية التي تؤيد هذا الحكم، حيث أوردت حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، عندما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن صلتها بأمها المشركة، فقال لها النبي: «صلي أمك»، وذلك على الرغم من أن والدتها كانت من كفار قريش، مما يدل على أن صلة الرحم لا تُقطع باختلاف الدين، كما أوردت الدار حديث أبي هريرة رضي الله عنه، المتفق عليه: «في كل كبد رطبة أجر»، وهو حديث يدل على أن الإحسان يصل أجره حتى إلى الحيوان، فكيف إذا كان الإنسان، مسلمًا أو غير مسلم.

دور الأضحية في بناء العلاقات الاجتماعية والإنسانية

لا يخفى على أحد أن الأضحية تحمل بعدًا اجتماعيًا وإنسانيًا كبيرًا، حيث تُعد مناسبة للتراحم والتكافل بين الناس، وهي فرصة لتعزيز العلاقات بين الجيران والأقارب وحتى زملاء العمل، وقد أكدت دار «الإفتاء» أن إعطاء غير المسلم من الأضحية لا ينقص من الأجر شيئًا، بل هو من قبيل الإحسان الذي دعا إليه الإسلام، بل ويُرجى أن يكون له أثر طيب في تأليف القلوب ونشر المحبة، لا سيما إذا كان الجار أو الزميل من غير المسلمين يشعر بشيء من العزلة أو عدم المشاركة في مثل هذه المناسبات.

إرشادات بشأن ذبح الأضحية

في سياق الحديث عن الأضحية، لم تغفل دار «الإفتاء» التأكيد على أهمية أداء هذه الشعيرة في الأماكن المخصصة لها، حيث شددت في منشور رسمي عبر صفحتها على «فيسبوك» أن ذبح الأضحية في الأماكن النظامية يحقق مصلحة عامة وخاصة، ويسهم في الحفاظ على البيئة والنظام العام، كما أشارت إلى أن من لا يستطيع أن يذبح بنفسه أو يفتقر إلى الإمكانات، يمكنه توكيل إحدى الجمعيات الخيرية الموثوقة من خلال شراء «صك الأضحية»، وهو خيار مشروع يفي بالغرض الشرعي المطلوب ويصل إلى المستحقين بسهولة وفعالية.

شروط الأضحية كما وردت في فتاوى دار الإفتاء

من أجل صحة الأضحية وقبولها، ذكرت دار «الإفتاء» مجموعة من الشروط التي يجب أن تتوفر، وهذه الشروط ليست شكلية بل جوهرية تتعلق بفقه الأضحية، وهي كما يلي:

أولًا، يجب أن تكون الأضحية من بهيمة الأنعام، مثل الإبل أو البقر أو الغنم، سواء من الضأن أو المعز.

ثانيًا، يشترط أن تكون قد بلغت السن المحدد شرعًا، وهو الجذعة من الضأن، أو الثنية من غيره.

ثالثًا، ينبغي أن تكون الأضحية خالية من العيوب الظاهرة مثل العور البيّن أو العرج أو الهزال أو المرض الشديد، وكل ما يشبه هذه العيوب أو يفوقها.

رابعًا، لا بد أن تكون ملكًا خالصًا للمضحي، مع جواز أن يضحي الوكيل بشرط وجود إذن من صاحب المال.

خامسًا، ألا تكون الأضحية مرهونة، وأن يتم ذبحها ضمن الوقت الشرعي المعروف لذبح الأضاحي وهو من بعد صلاة العيد وحتى غروب شمس اليوم الثالث عشر من ذي الحجة.

صك الأضحية خيار عصري برؤية شرعية

تُعد فكرة «صك الأضحية» من الوسائل الحديثة التي تسهّل على الناس أداء هذه الشعيرة خاصة في المدن الكبرى، وقد نوهت دار «الإفتاء» أن التوكيل في الذبح أمر جائز، بل هو من الحلول العملية التي تضمن انتظام العملية وتقليل الأذى والعبث في الشوارع، كما أن هذا الصك يتيح توزيع الأضحية بشكل عادل على الفقراء والمستحقين، بل ويمكن أن يشمل غير المسلمين أيضًا إذا وُجدت مصلحة في ذلك كما أشرنا سابقًا.

فقه الأضحية لا يقتصر على الذبح بل يشمل النية والتوزيع

أوضحت دار «الإفتاء» أن الأضحية ليست مجرد ذبح تقليدي بل عبادة قائمة على النية والطاعة والتقرب إلى الله، ويشمل ذلك اختيار الأضحية وفق المعايير الشرعية، ثم التوزيع بطريقة تضمن إدخال السرور على المسلمين وغير المسلمين على حد سواء، وكلما كان المضحي أكثر حرصًا على استحضار النية والإخلاص في العمل، كان الأجر أعظم.

ختمت دار «الإفتاء» توجيهاتها بدعوة الناس إلى أن يجعلوا من الأضحية وسيلة للتراحم والتواصل لا وسيلة للتفاخر أو الرياء، مؤكدة أن هذا العمل العظيم هو فرصة حقيقية للتعبير عن قيم الإسلام العليا، مثل العدل والرحمة والتسامح، ولهذا فإن إعطاء غير المسلم من الأضحية يدخل في هذا الباب ويستند إلى مقاصد الشريعة التي تكرّس روح الإنسانية قبل كل شيء.

وبذلك يتبين أن فقه الأضحية أوسع من مجرد طقس موسمي، بل هو نافذة لفهم أخلاقيات الدين ومعانيه العميقة التي تشمل كل من حولنا، مسلمًا كان أو غير مسلم، فقيرًا أو غنيًا، قريبًا أو بعيدًا، فهذه هي عظمة الإسلام التي لا تُقيدها الحواجز ولا يحدّها الاختلاف في العقيدة أو الانتماء.

تم نسخ الرابط