روسيا والناتو.. هل يستعد العالم لصراع جديد؟

بينما تتسارع الأحداث وتتوالى التصريحات، يُلقي العالم نظرة حائرة على ما يجري خلف كواليس السياسة الدولية، بعد الصين، تكشف روسيا عن خطط الناتو العدوانية التي تهدف إلى «صناعة أعداء وهمية» فإلى أين تتجه بنا هذه السفينة التي تتلاعب بأمن واستقرار الكوكب؟ تساؤلات ملحة تفرض نفسها بقوة، بينما تتشابك خيوط المصالح وتتصارع القوى الكبرى، ويبقى السؤال الأهم: هل نحن على وشك الدخول في عصر جديد من الصراعات التي لا نهاية لها؟.

بوتين: حقيقة الإنفاق العسكري الغربي

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يدع مجالاً للشك في رؤيته للأمور، فقد أكد استعداد بلاده لتسليم 3000 جثة أخرى لأوكرانيا، في إشارة إلى استمرار التواصل رغم النزاع، والأهم من ذلك، يشدد بوتين على أن زيادة إنفاق الناتو الدفاعي مبني على «عدوان روسي غير موجود»، مؤكدًا أن هذا الإنفاق لن يعزز الأمن الغربي بل سيخفض المستوى المعيشي لمواطنيهم، ويصر بوتين على حق روسيا في تحديد مستوى أمنها والتهديدات المحتملة، في رسالة واضحة للغرب.

حوار مستمر رغم الصراع

على الرغم من التصعيد والتوترات، يشير بوتين إلى أن المفاوضين الروس والأوكرانيين على تواصل دائم، وهو أمر «جيد»، ويؤكد هذا على وجود قنوات خلفية للحوار، حتى في خضم الصراع، مما يفتح بابًا للأمل في حلول دبلوماسية محتملة، وفيما يخص الإنفاق العسكري، يرى بوتين أن زيادة إنفاق الناتو يعكس عدوانية التكتل، في حين تخطط روسيا لخفض إنفاقها الدفاعي في المستقبل، ما يعكس تبايناً واضحاً في الأولويات بين الجانبين.

الليثيوم الأوكراني: صراع على الموارد

في تطور استراتيجي، استولت القوات الروسية مؤخرًا على مستودع ليثيوم حاسم في منطقة دونيتسك بأوكرانيا، وهذا المستودع، وإن كان صغيرًا، يُعد من أغنى رواسب الليثيوم في البلاد، وهو مورد حيوي لتقنيات الطاقة والبطاريات الكهربائية، وتأتي هذه الخطوة لتهدد اتفاقية استراتيجية بين إدارة ترامب وكييف تمنح واشنطن أولوية الوصول لهذه الثروات المعدنية، مما يثير تساؤلات حول مستقبل رهانات ترامب على هذه الموارد الحيوية.

رهانات ترامب تتهاوى؟

الاتفاق الأمريكي الأوكراني، الذي يهدف لتقليل الاعتماد على الصين في سلاسل التوريد، يبدو الآن في مهب الريح مع التقدم الروسي، ورفضت واشنطن ربط الصفقة بالدعم العسكري، مما جعل كييف في موقف صعب، ومع سيطرة موسكو على ما يقرب من خمس الأراضي الأوكرانية، بما فيها رواسب التيتانيوم والمنغنيز والفحم، تزداد الضغوط على أوكرانيا، ورغم وجود احتياطات ليثيوم واعدة بعيدًا عن الجبهات، فإن تحديات التراخيص والمسوحات الجيولوجية القديمة تزيد من تعقيد الوضع.

تباين الرؤى: بوتين وترامب والناتو

تُبرز قمة الناتو الأخيرة انقسامًا واضحًا في الرؤى بين الولايات المتحدة وأوروبا حول طموحات بوتين، فبينما يرى ترامب أن بوتين يبحث عن مخرج للحرب، يحذر الأمين العام للناتو مارك روته من هجوم روسي محتمل على دولة عضو في غضون ثلاث سنوات، خاصة إذا لم يتم اتخاذ موقف حازم، وهذا التباين، رغم نجاح القمة في تعزيز الإنفاق الدفاعي، يكشف عن هوة عميقة في فهم التهديد الروسي، ويضع مصير التحالف العسكري على المحك.

وختامًا:  في خضم هذا المشهد الجيوسياسي المعقد، حيث تتصادم المصالح وتتشابك الخطط، يبقى السؤال الأهم: إلى أين تتجه الأمور؟ هل نحن على شفا حرب باردة جديدة، أم أن العالم يتجه نحو مواجهة شاملة لا تُبقي ولا تذر؟ التصريحات المتضاربة، والتحركات الاستراتيجية، والاستيلاء على الموارد الحيوية، كلها مؤشرات تنذر بمستقبل غامض، هل ستنجح الدبلوماسية في نزع فتيل الأزمة، أم أن منطق القوة سيفرض كلمته؟ الأمر متروك للأيام القادمة لتكشف ما تخبئه للبشرية.