الشره العصبي عند المراهقين.. تعرف على «أعراضه الخفية» وأبرز أسبابه النفسية

الشره العصبي من الاضطرابات النفسية التي تصيب عددا كبيرا من المراهقين حول العالم ويُعرف الشره العصبي أو «البوليميا» بأنه اضطراب في الأكل يتمثل في نوبات من الإفراط في تناول الطعام يتبعها سلوك قهري للتخلص من الطعام مثل التقيؤ أو استخدام الملينات أو ممارسة الرياضة بشكل مفرط ويعد الشره العصبي مشكلة معقدة ترتبط بمجموعة من العوامل النفسية والاجتماعية والجسدية وتحتاج إلى تدخل مبكر لتفادي العواقب الصحية والنفسية طويلة المدى.
في هذا التقرير نستعرض أبرز «أعراض الشره العصبي» لدى المراهقين وكيف يمكن للأهل والمحيطين بهم ملاحظتها في الوقت المناسب إلى جانب تسليط الضوء على الأسباب النفسية العميقة لهذا الاضطراب الذي أصبح أكثر شيوعا بين الفتيات والفتيان على حد سواء خاصة في المراحل العمرية التي تتسم بالحساسية والتغيرات الجذرية في الهوية والصورة الذاتية.
الشره العصبي ليس مجرد نهم في الطعام
الشره العصبي لا يُقاس بكمية الطعام فقط بل يرتبط أيضا بـ«السلوكيات القهرية» التي تليه فالمراهق المصاب بالشره العصبي يشعر برغبة عارمة في الأكل بكميات كبيرة خلال فترة قصيرة يعقبها شعور قوي بالذنب والخوف من زيادة الوزن فيلجأ إلى التقيؤ المتعمد أو الصيام القاسي أو استخدام حبوب التخسيس والملينات أو ممارسة التمارين الرياضية العنيفة بشكل غير طبيعي.
هذا السلوك المتكرر يسبب ضررا نفسيا وجسديا للمراهق ويزيد من مشاعر الخجل وفقدان السيطرة وقد تتطور الحالة لتشمل اضطرابات مزاجية مثل الاكتئاب والقلق وفقدان الثقة بالنفس مما يزيد من تفاقم أزمة الشره العصبي ويجعل التعافي منه أكثر تعقيدا ما لم يتم التعامل معه بشكل علاجي شامل.
علامات خفية يصعب اكتشافها في البداية
تكمن خطورة الشره العصبي في أن أعراضه قد تكون «خفية» في البداية يصعب على الأهل أو المعلمين أو حتى الأصدقاء ملاحظتها بسهولة فالمراهق المصاب قد يبدو طبيعيا في وزنه وسلوكه أمام الآخرين لكنه يعاني داخليا من صراع نفسي شديد مرتبط بتقبُّل جسمه والخوف المستمر من السمنة.
من بين العلامات التي قد تشير إلى الإصابة بالشره العصبي هو الذهاب المتكرر إلى الحمام مباشرة بعد تناول الطعام خاصة إذا كان مقرونا بأصوات قيء أو رائحة غير معتادة كذلك يمكن ملاحظة وجود آثار لتقرحات في الفم أو على مفاصل الأصابع بسبب القيء المتعمد كما يعاني المراهق من تقلبات مزاجية حادة وعزلة اجتماعية وشعور دائم بالنقص.
الضغوط النفسية والاجتماعية هي المحرك الأساسي
يرتبط الشره العصبي بعدة عوامل نفسية أهمها انخفاض احترام الذات والشعور بعدم الرضا عن شكل الجسم كما تلعب عوامل التنمر المدرسي أو السخرية من المظهر دورا كبيرا في تفاقم الحالة وخاصة في سن المراهقة الذي يتسم بالحساسية تجاه آراء الآخرين.
كذلك تلعب «وسائل التواصل الاجتماعي» دورا لا يمكن تجاهله في تعزيز صورة نمطية مثالية للجسم ما يدفع المراهقين إلى مقارنة أنفسهم بغيرهم والسعي المستمر للوصول إلى شكل غير واقعي مما يولد الإحباط ويدفع البعض إلى سلوكيات الشره كوسيلة للهروب من هذه المشاعر أو محاولة استعادة السيطرة على النفس.
أيضا قد تتأثر بعض الحالات بعوامل أسرية مثل الخلافات العائلية أو الضغوط الأكاديمية أو مشكلات الانفصال بين الأبوين مما يزيد من الميل إلى سلوكيات الأكل المضطرب كوسيلة للهروب أو التعبير عن المشاعر غير المعلنة.
المضاعفات الصحية لا تُستهان بها
الشره العصبي لا يقتصر على الجانب النفسي فقط بل يؤدي إلى «مضاعفات صحية خطيرة» تبدأ من الجفاف ونقص العناصر الغذائية الأساسية وصولا إلى تلف الأسنان نتيجة الحمض الناتج عن القيء المتكرر كما يؤثر سلبا على الجهاز الهضمي ويؤدي إلى اضطراب نظم القلب وانخفاض ضغط الدم بل وقد يصل الأمر إلى فشل كلوي في بعض الحالات المتقدمة.
وتشير دراسات إلى أن بعض المراهقين قد يطورون سلوكيات إيذاء النفس أو التفكير في الانتحار إذا تُركوا دون علاج مناسب لذلك من الضروري عدم التقليل من أي سلوك يشير إلى وجود اضطراب في العلاقة مع الطعام أو الوزن خاصة في سن المراهقة.
كيف يمكن للأهل التدخل؟
التدخل المبكر هو مفتاح التعافي من الشره العصبي ولتحقيق ذلك يجب على الأهل أن يكونوا منتبهين لأي تغير في سلوكيات أبنائهم الغذائية أو النفسية وأن يتحلوا بالصبر والتفهم بعيدا عن اللوم أو النقد فالمراهق المصاب بالشره يحتاج إلى «دعم نفسي» وشعور بالأمان وليس إلى مزيد من الضغط أو الإحراج.
ينبغي فتح حوار هادئ مع المراهق حول ما يشعر به دون إصدار أحكام وتشجيعه على زيارة أخصائي نفسي أو طبيب تغذية مختص في اضطرابات الأكل لمساعدته على التعافي وتغيير سلوكياته بشكل تدريجي.
كذلك من المهم تثقيف الأبناء حول مخاطر الشره العصبي وتعزيز مفهوم التقدير الذاتي بعيداً عن الوزن أو الشكل الخارجي وتقديم نماذج إيجابية عن التنوع الجسدي وتقبل الذات.
العلاج متعدد الجوانب هو الحل
يعتمد علاج الشره العصبي على خطة متكاملة تشمل العلاج النفسي المعرفي السلوكي والعلاج الغذائي إلى جانب الدعم الأسري والمتابعة الطبية المستمرة وفي بعض الحالات قد تحتاج الحالة إلى استخدام أدوية مضادة للاكتئاب تحت إشراف طبي لتحسين الحالة المزاجية وتقليل سلوكيات الإكراه.
ومع الوقت والدعم المناسب يمكن للمراهق أن يتعافى من الشره العصبي ويستعيد علاقته السليمة مع الطعام ويعيد بناء ثقته بنفسه من جديد.