من الحلويات إلى الحالة النفسية.. مفاجآت حول أسباب «عسر الهضم لدى الصغار»

الهضم يُعد من العمليات الحيوية الأساسية التي يحتاجها جسم الطفل ليحافظ على صحته ونموه السليم، غير أن اضطراب عملية «الهضم» لدى الأطفال بات أمرًا شائعًا يثير قلق الأمهات والآباء في مختلف المراحل العمرية، فبينما يظن البعض أن السبب يعود فقط إلى تناول أطعمة غير مناسبة أو دسمة، تكشف الدراسات الحديثة عن مفاجآت غير متوقعة تقف خلف إصابة الطفل بعسر «الهضم» مثل التوتر النفسي والإجهاد العاطفي وتناول بعض الحلويات التي تُعتبر آمنة في ظاهرها لكنها قد تؤدي إلى نتائج سلبية داخل الجهاز الهضمي.
الحلويات ليست بريئة دائمًا
قد تبدو قطعة «الشوكولاتة» أو قطعة من الحلوى وسيلة لإسعاد الطفل، إلا أن كثيرًا من هذه المنتجات تحتوي على نسب عالية من الدهون والسكر الصناعي والمحليات والمضافات الكيميائية، وهذه المكونات تعمل على إبطاء حركة «الهضم» داخل الأمعاء الدقيقة وتؤدي إلى شعور الطفل بـ«الانتفاخ» و«الحرقة» و«آلام المعدة»، خاصة إن تم تناولها بكميات كبيرة أو على معدة فارغة.
تشير بعض الأبحاث إلى أن استهلاك الحلويات قبل النوم أو في الصباح الباكر قد يسبب خللًا في إنتاج الإنزيمات الهاضمة ويؤثر على توازن البكتيريا النافعة في الأمعاء، وهو ما يُضعف من كفاءة «الهضم» ويجعل الطفل أكثر عرضة لعسر الهضم المتكرر حتى إن كان يتمتع بصحة جيدة في الظاهر.
الحالة النفسية وتأثيرها على الجهاز الهضمي
العديد من الأطباء وخبراء التغذية أشاروا إلى وجود علاقة وثيقة بين الحالة النفسية للطفل وبين كفاءة عملية «الهضم»، فالطفل الذي يعاني من القلق المستمر أو يعيش في بيئة مشحونة بالمشاكل أو يتعرض لضغط دراسي دائم يصبح جهازه الهضمي في حالة توتر دائم أيضًا، لأن المخ والأمعاء مرتبطان ارتباطًا وثيقًا من خلال ما يُعرف بـ«محور الدماغ والأمعاء».
وفي حالات التوتر المزمن قد يزداد إفراز بعض الهرمونات مثل الكورتيزول التي تؤثر على حركة الأمعاء وتقلصاتها وتُضعف من قدرة الجهاز الهضمي على امتصاص المغذيات، وهو ما يؤدي إلى سوء «الهضم» وتراكم الغازات والإمساك أو الإسهال بشكل متكرر عند الأطفال.
وجبات غير متوازنة تؤدي إلى عسر الهضم
من الأخطاء الشائعة التي تقع فيها كثير من الأسر تقديم وجبات تحتوي على كميات كبيرة من الدهون والمواد الحافظة والمقليات دون مراعاة التوازن الغذائي، فمثل هذه الأطعمة تؤدي إلى بطء في «الهضم» بسبب صعوبة تكسيرها وافتقارها إلى الألياف التي تُعد عنصرًا أساسيًا لتحفيز حركة الأمعاء.
كما أن تناول الطفل للطعام بسرعة دون مضغه جيدًا يُضعف من قدرة المعدة على أداء وظيفتها، مما يؤدي إلى انتقال الطعام إلى الأمعاء بشكل غير كامل «الهضم»، وهذا يسبب شعورًا بعدم الراحة والضغط داخل البطن إضافة إلى التجشؤ والشعور بالغثيان.
قلة شرب الماء سبب خفي
يُغفل كثير من الآباء والأمهات أهمية الماء في تعزيز كفاءة «الهضم»، فالماء يلعب دورًا كبيرًا في ترطيب الأمعاء وتسهيل حركة الطعام داخل الجهاز الهضمي، كما يُساعد في إنتاج العصارات الهضمية اللازمة لإتمام عملية «الهضم» بكفاءة.
عدم شرب الماء بكمية كافية يسبب جفافًا في جدران الأمعاء ويؤدي إلى الإمساك وعسر الهضم المستمر، خاصة لدى الأطفال الذين يُفضلون العصائر الصناعية والمشروبات الغازية على الماء النقي.
تناول الطعام أثناء مشاهدة الشاشات
من العادات الخاطئة المنتشرة في البيوت الحديثة أن يتناول الطفل طعامه أمام شاشة التلفاز أو أثناء استخدام الهاتف المحمول أو التابلت، وهذه العادة تؤثر على «الهضم» بشكل غير مباشر لأنها تشغل الطفل عن عملية المضغ وتقلل من انتباهه للإشارات التي ترسلها المعدة إلى الدماغ حول الامتلاء أو الشبع.
وقد أظهرت الدراسات أن الأطفال الذين يتناولون طعامهم أثناء مشاهدة الشاشات يعانون من عسر «الهضم» بنسبة أكبر مقارنة بمن يتناولون طعامهم في أجواء هادئة وبلا ملهيات.
اضطرابات النوم تؤثر على الهضم
لا تقتصر آثار اضطراب النوم على المزاج والتركيز فقط بل تمتد لتشمل «الهضم» أيضًا، فالطفل الذي لا يحصل على ساعات نوم كافية أو يعاني من نوم متقطع غالبًا ما يكون جهازه الهضمي في حالة اضطراب دائم، لأن عملية «الهضم» تحتاج إلى راحة واستقرار داخلي لتتم بشكل سليم.
قلة النوم تؤثر على إفراز الهرمونات وتوازن الجهاز العصبي وهذا يُنعكس مباشرة على حركة المعدة والأمعاء وبالتالي يُصيب الطفل بعسر الهضم حتى لو كان يتناول طعامًا صحيًا.
خطوات للوقاية من عسر الهضم
لحماية الأطفال من مشاكل «الهضم» يجب على الأهل اتباع عدة خطوات تبدأ بتقديم وجبات متوازنة تحتوي على الخضروات والفواكه والألياف والابتعاد عن المقليات والدهون الثقيلة، كما يجب تشجيع الطفل على شرب كميات كافية من الماء وممارسة الرياضة الخفيفة بانتظام مثل المشي أو ركوب الدراجة.
كما يُفضل أن تكون أوقات تناول الطعام خالية من التوتر أو الشاشات مع توفير بيئة هادئة يشعر فيها الطفل بالراحة والطمأنينة، ويُنصح بترتيب أوقات النوم والحرص على النوم المبكر لأن الراحة الليلية ضرورية لتعزيز عملية «الهضم».
وأخيرًا فإن متابعة الحالة النفسية للطفل لا تقل أهمية عن العناية بغذائه، لأن الكثير من اضطرابات «الهضم» ترتبط بشكل مباشر بالحالة النفسية، ولا يكفي فقط تقديم أطعمة صحية بل يجب خلق بيئة أسرية مستقرة تضمن راحة الطفل النفسية والعاطفية.
بهذا يتضح أن «عسر الهضم» ليس مجرد مشكلة غذائية بل هو نتيجة لتداخل عوامل متعددة تبدأ من الطعام وتمتد إلى المشاعر والنوم والعادات اليومية، ومن هنا فإن الوعي بهذه الأسباب الخفية هو الخطوة الأولى نحو بناء صحة هضمية أفضل لأطفالنا في عالم متغير وسريع الإيقاع.