دعاء قضاء الحاجة أثناء الصلاة.. ما الحكم الشرعي لترديده في الركوع والسجود؟

دعاء قضاء الحاجة أثناء الصلاة
الصلاة تمثل ركنًا عظيمًا في الإسلام، وقد يختلط على البعض ما إذا كان يجوز للمصلي أن يدعو أثناء صلاته بقضاء «حاجة دنيوية»، خاصة عندما يتعلق الأمر بدعاء الحاجة في لحظة خشوع داخل الصلاة، ولذلك جاء توضيح دار الإفتاء المصرية ليضع الأمور في نصابها الصحيح وفقًا لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
«الصلاة» والدعاء داخلها
أوضحت دار الإفتاء المصرية في بيانها الرسمي أنه «لا مانع شرعي من الدعاء بقضاء الحاجة أثناء الصلاة»، وذلك استنادًا إلى ما رواه الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، إذ قال إن النبي صلى الله عليه وسلم علمه التشهد ثم قال له في نهايته «ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو» وفي رواية أخرى للبخاري قال «ثم ليتخير من الثناء ما شاء» وفي رواية لمسلم ورد النص بلفظ «ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء أو ما أحب»، وهو ما يؤكد جواز دعاء الحاجة أثناء أداء الصلاة طالما التزم فيه المسلم بأدب الدعاء وتوقير مواضع الصلاة.
حكم الدعاء بقضاء الحاجة في «الصلاة»
السؤال الذي طُرح على دار الإفتاء كان صريحًا حول «حكم الدعاء أثناء الصلاة بقضاء حوائج الدنيا» وما إذا كان ذلك يفسد الصلاة أو يتعارض مع هيئتها، فأجابت الدار أنه لا يترتب على الدعاء في الصلاة أي بطلان لها ما دام الدعاء ليس بلفظ يخالف الشريعة أو يخرج عن الخشوع الواجب في الصلاة، بل هو مطلوب ومستحب خاصة في مواضع السجود وقبل التسليم.
صلاة الحاجة ودعاء قضاؤها
أما عن دعاء الحاجة كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء في الحديث الشريف أن من كانت له حاجة إلى الله أو إلى أحد من الناس فليتوضأ ويحسن الوضوء ثم ليصل ركعتين ويقول: «لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين أسألك بموجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم ربي لا تجعل لي ذنبًا إلا غفرته ولا همًا إلا فرجته ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيتها يا أرحم الراحمين»، وهو دعاء يُشرع قوله داخل «الصلاة» أو بعدها بنيّة طلب العون من الله.
دعاء الحاجة الشديدة داخل الصلاة
ينصح العلماء حين الدعاء بـ «الحاجة الشديدة» أن يُلزم المسلم قلبه بالخضوع ويُردد أدعية مأثورة مثل «اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء أنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء أنزلت التوراة والإنجيل والفرقان فالق الحب والنوى أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء اقضِ عنا الدين وأغننا من الفقر»، وهو دعاء يُستحب في مواضع متعددة من الصلاة خصوصًا في السجود الذي يُعد موضعًا مستجابًا للدعاء.
الدعاء بتيسير الأمور والرزق داخل «الصلاة»
ومن الأدعية المحببة في هذا السياق كذلك قول المسلم أثناء صلاته «اللهم يا معلم موسى علمني ويا مفهم سليمان فهمني ويا مؤتي لقمان الحكمة آتني الحكمة وفصل الخطاب» ويُستحب أن يدعو أيضًا بـ «اللهم اجعل ألسنتنا عامرة بذكرك وقلوبنا بخشيتك وأسرارنا بطاعتك إنك على كل شيء قدير وحسبنا الله ونعم الوكيل»، وهي كلها أدعية مشروعة لا تبطل الصلاة بل تزيدها قربًا وارتباطًا بين العبد وربه.
تسهيل الأمور الدنيوية في «الصلاة»
في الدعاء أيضًا يمكن أن يقول المسلم أثناء صلاته «اللهم إني توكلت عليك وفوضت أمري إليك لا ملجأ ولا منجى إلا إليك» ثم يستكمل الدعاء بـ «ربي أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا» أو «بسم الله الفتاح اللهم ارزقني فلاحًا في الدنيا ووفقني في أمور دنياي وارزقني جنتك في الآخرة» فكل هذه الأدعية تعبر عن أماني مشروعة يطلبها العبد أثناء الصلاة من ربه وهي لا تتنافى مع الخشوع أو السكينة المطلوبة في الصلاة بل تعزز من معناها وتعمّق علاقتها الروحية بالعبد.
الثناء على الله داخل «الصلاة»
ومن المستحب أيضًا أن يتوجه المسلم أثناء الصلاة إلى الثناء على ربه في مواضع الدعاء، مثل أن يقول «اللهم لك الحمد يا من علم الأنبياء والمرسلين، اللهم لك الحمد يا من علم الملائكة المقربين، اللهم لك الحمد يا من علم العلماء العاملين، اللهم لك الحمد يا من علم الأولياء والصالحين» ويُستحب أن يختم دعاءه بالصلاة على النبي فيقول «اللهم صلِّ على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا».
الدعاء عبادة داخل «الصلاة» لا يُبطلها
أوضحت دار الإفتاء أن الدعاء داخل الصلاة ليس فقط جائزًا بل مستحبًا خصوصًا إن وافق الحاجة وابتُغِي به وجه الله، وقد يظن البعض أن ذلك مخالف لهدي الصلاة أو يفسدها وهذا ظن خاطئ، فالصلاة هي لحظة صلة بين العبد وربه ومن تمام الصلة أن يناجي العبد ربه بحاجاته وهمومه وأحلامه، ولذلك نجد كثيرًا من الصحابة والتابعين كانوا يدعون كثيرًا في صلاتهم وخاصة في أوقات الشدة.
بهذا يكون من الواضح أن الدعاء داخل «الصلاة» لا يخالف الشريعة بل يرسخ العلاقة بين العبد وربه ويُعزز روحانية الصلاة ويجعلها أكثر حيوية وارتباطًا بالحياة اليومية للمؤمن.