لماذا يكرهوننا؟
بقلم-أسامة مدنى
قيام الولايات المتحدة الأمريكية منذ بضع سنوات بمنع مواطني بعض الدول، ومن بينها دول عربية، من دخول أراضيها باعتبار رعايا تلك الدول يشكلون تهديداً إرهابياً محتملاً لأيقونة الحرية والعدالة، يمثل ذروة تشكيل الوعي الجمعي للثقافة الأمريكية بشكل خاص والغربية بشكل عام تجاه الشرق الأوسط؛ سلسلة متصلة من بناء صورة ذهنية سلبية عن الشرق الأوسط أنه الأكثر رفضا للغرب، الأكثر كرهاً وبُغضاً، الأكثر عدواناً وإرهاباً، الأكثر انغلاقاً وتوحداً، حتى صاح الرئيس الأمريكي الحالي مكرراً نفس مقولة رئيس أمريكي سابق: "لماذا يكرهوننا؟"
وتلك صورة كلية شكلتها ببطء وتأن الإمبريالية الغربية منذ قرنين؛ تنميط للشرق أوسطي على أنه عربي مسلم سواء كان من شمال إفريقيا أم من شبه الجزيرة العربية، من الخليج أم من جنوب شرق آسيا، مغربي أم مصري أم تركي أم إيراني أم هندي.
لقد خَلق التنميط لديهم خلطاً بين الثقافة العربية والأسيوية، بين الإسلام والمسيحية واليهودية، بين الشرق الأدنى والأوسط والأقصى، فالمنطقة بأكملها - باستثناء معشوقتهم المدللة - يرونها نبتاً أيديولوجياً غريباً، مناهضاً للغرب: ثقافة تهادنهم نادراً وتعاديهم غالباً؛ تتصالح معهم حيناً وتتربص بهم أحياناً؛ تهدي وردة باليمين وتطعن خنجر باليسار.
لقد تفاقم هذا التنميط عن الشرق الأوسط ككتلة أيدولوجية بدائية وليس كبنيان ثقافي متطور، ككيان ثابت متخلف وليس كنظام ديناميكي متحضر، كبؤرة همجية لفظها زمن سحيق وليس كأيقونة متحضرة أفرزها عصر حديث؛ يرونه شرقاً ثرياً، شهوانياً، إرهابياً، ديكتاتورياً، في مقابل غرب متطور، متسامح، عقلاني، ديمقراطي وهذه مركزية عنصرية، تنميط أحادي، تمييز ثقافي من نسيج خيال الغرب يهدف إلي ممارسات قمعية تجاه الشرق الأوسط؛ إلي توبيخه وضربه طفلاً حين يخطئ، وكبته وقمعه يافعاً حين يثور، ودهسه وسحقه ناضجاً حين يقاوم. فالهيمنة الإمبريالية الغربية التي تقودها الولايات المتحدة تبحث عن نار تغذيها، عن ماء ترويها، بعد حقبة استعمار ذبل وتلاشى وانقضى.
فهل نظل وقوداً لسعيرها، ينبوعاً لظمئها، تحت نَير جبروتها؟، أم نبدأ من جديد؟
فالطريق طويل، متعرج، متشعب.