كيفية أداء الصلاة لمرضى سلس البول: الرخصة الشرعية وأحكامها
في حياة المسلم، تعد الصلاة ركنًا أساسيًا من أركان العبادة، التي يجب أن يؤديها المؤمن طاهرًا ونقيًا، إلا أن هناك ظروفًا صحية قد تجعل الحفاظ على الطهارة أمرًا صعبًا أو مستحيلًا، وهو ما قد يثير تساؤلات حول كيفية أداء الصلاة في مثل هذه الحالات، أحد أبرز هذه الظروف هو ما يُعرف بالسلس البولي أو انفلات الريح، وهي حالات صحية يعاني منها بعض الأشخاص وقد تؤثر على قدرتهم في الحفاظ على وضوءهم أثناء الصلاة، لكن الشريعة الإسلامية، التي تسعى دائمًا إلى تيسير الأمور على المسلم، قد قدمت رخصًا خاصة لتخفيف هذا العبء عن المؤمنين الذين يعانون من هذه الحالات الصحية، وقد أكد الشيخ أحمد العوضي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، في فتوى له أن الشخص المصاب بمثل هذه الحالات لا يجب أن يتحرج من أداء الصلاة، حتى وإن كان غير قادر على الحفاظ على طهارته بشكل دائم.
الرخصة الشرعية للمرضى: تسهيل أداء الصلاة رغم العذر
أكد الشيخ أحمد العوضي أن الأصل في الإسلام هو أن الصلاة لا تصح إلا إذا كان المسلم طاهرًا، ولكن عندما يعاني المسلم من عذر صحي مثل السلس البولي أو انفلات الريح، فإن الشريعة الإسلامية تتعامل مع هذه الحالات برحمة وتخفيف، فقد بين الشيخ العوضي أن الله سبحانه وتعالى أراد التيسير لعباده، لذلك جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر”، وهذا التوجيه الإلهي يعكس تفهم الإسلام لظروف الإنسان وما قد يواجهه من تحديات صحية تمنعه من أداء عباداته بشكل مثالي، لذلك فإن الشريعة الإسلامية توفر للمصابين بأعذار صحية مثل السلس البولي رخصة لأداء الصلاة على حالهم، حتى وإن نزل منهم البول أو الريح أثناء الصلاة، بشرط ألا يكون هناك ما يفسد وضوءهم لسبب آخر.
الفقه الإسلامي و”العذر لا يفسد الصلاة”
لقد تناول الفقهاء هذه المسألة في كتبهم الفقهية، وناقشوا كيفية الصلاة في حال وجود العذر، مثل السلس البولي، وقد اتفق العلماء على أنه إذا كانت الإصابة غير قابلة للتحكم فيها، فإن المريض لا يُشترط عليه أن يتوقف عن الصلاة أو يعيد وضوءه في كل مرة، بل يمكنه الصلاة على حاله والاستمرار في عبادته دون قلق، استنادًا إلى مذهب المالكية، على سبيل المثال، يمكن للمصاب بسلس البول الاستمرار على وضوءه حتى موعد الصلاة التالية، حتى وإن لم يتمكن من التحكم في البول بشكل كامل، هذه الرخصة تأتي من حرص الشريعة الإسلامية على التخفيف عن المسلمين وعدم تحميلهم ما لا طاقة لهم به.
دور الإسلام في تخفيف معاناة المرضى
وفيما يتعلق بمن يعانون من أمراض تؤثر على قدرتهم على أداء الصلاة بشكل طبيعي، أكد الشيخ أحمد العوضي أن الصلاة لا تسقط عن المسلم مهما كانت ظروفه الصحية أو العذر الذي يعاني منه، وقال العوضي: “إن الصلاة تُعتبر فرضًا على المسلم في جميع الأحوال، ولا يجوز له أن يترك الصلاة بسبب مرضه أو عذره”، وتأتي هذه الرخصة من الله سبحانه وتعالى من باب التيسير والرحمة، حيث أباح الله للمصابين بأعذار صحية الصلاة على حالهم، وتيسير أداء الصلاة بتقليل قيود الطهارة أو وضوءهم بما يتناسب مع حالتهم الصحية.
التخلص من الوساوس: طهارتك صحيحة وأنت في عذر
من الملاحظ أن الكثير من المرضى قد ينتابهم القلق والوساوس بسبب شعورهم بعدم الطهارة أو الظن أنهم قد أصابهم نجاسة أثناء الصلاة، لكن الشيخ أحمد العوضي أكد أن هذه الوساوس لا ينبغي أن تؤثر على أداء الصلاة، وقال في فتواه: “عليك أن تتجاهل هذه الوساوس، فأنت في عذر شرعي والوضوء والصلاة صحيحان ما دمت في حالتك الصحية”، وأشار العوضي إلى أن الشكوك التي قد تراود المصابين بسبب عذرهم الصحي لا أساس لها من الصحة، وأن الله سبحانه وتعالى رخص لهم بهذه الرخصة، لذلك لا ينبغي لهم أن يتحرجوا أو يترددوا في أداء الصلاة.
دليل شرعي من سنة النبي صلى الله عليه وسلم
من الأدلة الشرعية التي يستند إليها الفقهاء في هذا الشأن حديث السيدة عائشة رضي الله عنها، الذي رواه الصحيحين، حيث قالت: “لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم للسيدة فاطمة بنت حبيش أو السيدة حبيبة بنت جحش أن تترك الصلاة بسبب نزول الدم، بل قال لها أن تصلي على حالها”، هذا الحديث يعد من أظهر الأمثلة على تيسير الإسلام لأصحاب الأعذار الصحية، إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطلب من السيدة فاطمة أو حبيبة ترك الصلاة رغم العذر الذي كان يواجههن.
دعوة للاستمرار في الصلاة
في ختام فتواه، دعا الشيخ أحمد العوضي المصابين إلى الاستمرار في أداء الصلاة رغم الظروف الصحية التي يمرون بها، وقال: “صلي على حالك وصلاتك صحيحة، ولا تتحرج من وضعك. الله سبحانه وتعالى رخص لك بهذا العذر، ولا يجب أن تتوقف عن الصلاة”، وطمأن الشيخ العوضي الجميع بأن الصلاة على حالهم تبقى مقبولة، وأن الله عز وجل يرضى عنهم لأنهم قاموا بواجبهم تجاه العبادة وفقًا لما تيسره الشريعة الإسلامية.
من خلال هذه الفتاوى، يتضح أن الإسلام، باعتباره دينًا يسر ويسعى إلى تخفيف المشقة عن أتباعه، يوفر رخصًا خاصة لأصحاب الأعذار الصحية، ليظل المسلمون في حالة من الطمأنينة والراحة النفسية أثناء أداء عباداتهم، دون الخوف من أي تأثيرات سلبية على صحتهم أو طهارتهم.