«حسبي الله ونعم الوكيل» دعاء على الظالم أم تفويض الأمر إلى الله؟
أثارت عبارة “حسبي الله ونعم الوكيل” تساؤلات بين الناس حول دلالاتها الشرعية، هل هي تفويض وتسليم الأمر إلى الله أم دعاء على الظالم؟ وقد أكد علماء الدين أن هذه العبارة تعكس جوهر الثقة في عدل الله وحكمته، بعيدًا عن أي معنى للتشفي أو الانتقام.
في حديثه عن معنى العبارة، أوضح الدكتور محمد عبد السميع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن “حسبي الله ونعم الوكيل” تحمل رسالة الاعتماد الكامل على الله لتحقيق العدالة ورد الحقوق، وأضاف أن المظلوم عندما يتعرض للظلم ويقول هذه العبارة، فإنه يلجأ إلى الله لتدبير الأمور بحكمته وعدله، مشددًا على أن هذا القول لا يعني الدعاء بإلحاق الأذى بالطرف الآخر، بل هو تسليم الأمر لله ليحكم فيه بما يراه حقًا.
أما الدكتور مجدي عاشور، المستشار العلمي السابق لمفتي الجمهورية، فقد أشار إلى أن استخدام العبارة ليس حرامًا إذا جاءت في سياقها الصحيح، حتى وإن لم يكن الشخص متأكدًا تمامًا من تفاصيل الظلم الذي تعرض له، وبيّن عاشور أن الله - عز وجل - يرد المظالم، إما برد الحقوق إلى أصحابها أو بإظهار الحكمة في ترك الأمور لعفو الله، كما نبه إلى أهمية تجنب ذكر اسم الظالم أثناء قول العبارة، معتبرًا أن استخدام الدعاء بصفة عامة يعكس تسليمًا مطلقًا لله دون رغبة في تشويه أو إيذاء الآخرين، واستدل عاشور بقول الله تعالى في سورة آل عمران: “الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ”، والتي تجسد ثقة المؤمنين بالله في مواجهة التحديات.
وفي ذات السياق، أكد الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، على أهمية هذا الدعاء باعتباره من أعظم الأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية، وأوضح عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أن تكرار العبارة 450 مرة يوميًا يمكن أن يكون وقاية من كل شر ويحقق الخير الكثير، وأشار إلى أن الصحابة استخدموا هذا الدعاء في مواجهة التحديات النفسية والعسكرية عقب معركة أحد، عندما حاول المنافقون بث الخوف في نفوسهم.
وأوضح جمعة أن عبارة “حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ” يمكن أن تُقال في عدة سياقات، سواء كان ذلك لمواجهة الظلم أو للتغلب على الهموم والمخاوف، ولفت إلى أن ترديد هذه العبارة لا يعني بالضرورة دعاءً على الظالم بقدر ما يعكس رغبة في اللجوء إلى الله ليحكم بحكمه العادل.
شدد علماء الدين على أن العبارة تمثل ذروة التوكل على الله، إذ تعكس اليقين الكامل بأنه كافٍ عبده في كل الأمور، سواء كان ذلك لرد الحقوق أو لتحقيق العدالة الإلهية، كما دعوا إلى التركيز على الجانب الإيجابي من العبارة، باعتبارها دعاءً يزرع الاطمئنان في قلب المؤمن ويجسد ثقته بأن الله هو الوكيل الأمثل في كل شؤون الحياة.
وفي سياق أخر أكد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية أهمية الاستغفار في حياة الإنسان، مشيرًا إلى أنه ليس مجرد عبادة باللسان، بل هو طريق للتقرب إلى الله ومفتاح من مفاتيح الفرج، وأوضح المركز أن الله سبحانه وتعالى وعد المستغفرين بسعة الرزق، ورغد العيش، والبركة في المال والولد، كما ورد في قوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10-12].
فوائد عظيمة للاستغفار على الإنسان
يشير مركز الأزهر العالمي للفتوى إلى أن الاستغفار لا يعود بالنفع فقط على الجانب الروحي، بل يمتد أثره ليشمل العديد من الجوانب المادية والمعنوية في حياة الإنسان، ومن بين الفوائد التي تتحقق بفضل الاستغفار:
1.التقرب من الله تعالى: يُعَدّ الاستغفار وسيلةً للتقرب إلى الله وزيادة التعلق به، فهو من أعظم صور الذكر التي تؤكد افتقار العبد إلى خالقه.
2.تفريج الكرب وانشراح الصدر: يسهم الاستغفار في إزالة الهموم والغموم التي قد تثقل على النفس، مما يمنح الإنسان شعورًا بالراحة والطُمأنينة.
3.دخول الجنة: يُعَدّ الاستغفار أحد أسباب مغفرة الذنوب، وبالتالي مفتاحًا لدخول جنات النعيم.
4.دفع البلاء والمصائب: يساعد الاستغفار في رفع البلاء الذي قد يصيب الإنسان، ويدفع الكثير من الصعوبات التي تواجهه في حياته.
5.الشفاء من الأمراض: يرى العلماء أن كثرة الاستغفار يمكن أن تكون سببًا في الشفاء من بعض الأمراض، إلى جانب كونه وسيلة لدفع الفقر وجلب الرزق.
6.التكفير عن الذنوب: الاستغفار يطهّر النفس من صغائر الذنوب، وقد يغفر الكبائر إذا صاحبته نية التوبة الصادقة.
الاستغفار وسعة الرزق
أشار مركز الأزهر إلى ارتباط الاستغفار بسعة الرزق وإنزال البركات، مستدلًا بآيات من القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} وبيّن أن الله سبحانه وتعالى جعل الاستغفار وسيلة لإدرار الخير على العباد، سواء كان ذلك من خلال زيادة المال أو بركة الأولاد.
آثار الاستغفار في الدنيا والآخرة
يوضح مركز الأزهر العالمي للفتوى أن الاستغفار يفتح أبواب الرحمة الإلهية على الإنسان، سواء في الدنيا أو الآخرة. ففي الدنيا، يُصلح الله أحوال المستغفرين، ويوفّقهم في أعمالهم، ويرزقهم من حيث لا يحتسبون، أما في الآخرة فهو سبب لنيل مغفرة الله ودخول الجنة.
ويؤكد العلماء على أهمية الاستغفار في الأوقات المستحب فيها الدعاء، مثل أوقات السحر وعقب الصلوات، مشيرين إلى أنه عبادة تجمع بين الدعاء والتوبة، مما يجعلها من أحب الأعمال إلى الله.
حكم الاستغفار في الذنوب
أما عن حكم الاستغفار فيما يتعلق بصغائر الذنوب وكبائرها، فيختلف العلماء في ذلك:
يرى الشافعية أن الاستغفار يكفّر صغائر الذنوب، لكن الكبائر تتطلب توبة صادقة.
أما المالكية والحنابلة فيرون أن الاستغفار يغفر جميع الذنوب إذا كانت نية العبد صادقة.