حكم تبرع الزوجة من مال زوجها دون إذنه: فتوى دار الإفتاء
أثارت دار الإفتاء المصرية في الآونة الأخيرة جدلاً واسعًا بإجابتها على سؤال ورد إليها عبر موقعها الرسمي، يتعلق بجواز تصدق الزوجة من مال زوجها دون إذنه، السؤال كان قد طرحته امرأة ترغب في التصدق على الفقراء والمساكين رجاءً للأجر والثواب من الله تعالى، غير أن زوجها لم يكن قد أعطاها إذنًا بذلك، ومن هنا جاء السؤال: هل يجوز لها أن تتصدق من مال زوجها إذا كانت لا تملك مالًا خاصًا بها؟ هذا السؤال يعكس مدى التشابك بين الحقوق الشخصية، والواجبات الشرعية في الإسلام، وخاصة فيما يتعلق بتصرفات المال في إطار الحياة الزوجية.
جاءت إجابة دار الإفتاء المصرية لتؤكد ضرورة التزام الزوجة بقواعد محددة عند اتخاذ مثل هذه القرارات، إذ أوضحت أنه لا يجوز للزوجة أن تتصدق من مال زوجها بأي شيء ثمين دون إذن صريح من الزوج، لكن في المقابل، فإن الأمر يختلف مع الأشياء اليسيرة التي يُعرف رضا الزوج عنها عادةً، مثل ما يمكن أن يقدمه للفقير من طعام أو مساعدة صغيرة.
واستكملت دار الإفتاء المصرية والتي يُعلم مسبقًا أن الزوج لن يمانع فيها، في هذا السياق يمكن للزوجة أن تتصدق بدون إذن واضح بشرط أن يكون هذا التصرف متفقًا مع العرف المعتاد في المجتمع، ولا يتعدى حدود ما يمكن تحمله أو قبوله من الزوج في سياق حياته اليومية.
وتجدر الإشارة إلى أن الإسلام قد حثّ على الصدقة بشكل كبير في القرآن الكريم والسنة النبوية، مُبينًا فضلها العظيم على الفرد والمجتمع، حيث يقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (البقرة: 245) وقد تناول علماء الإسلام هذا الموضوع بتفصيل، مشيرين إلى أن الإنفاق في سبيل الله يعد من أعظم الأعمال التي تقرب العبد إلى الله، ويزيد من الثواب الدنيوي والأخروي.
إلا أن دار الإفتاء شددت على أن أي تصرف يتعلق بالمال يجب أن يكون موافقًا للشرع، ويجب أن يكون التصرف فيه بغير إذن صاحب المال غير جائز، فقد قال العديد من علماء الفقه أن التصرف في مال الآخرين يتطلب موافقة واضحة من صاحب المال، وإلا فإنه يُعد من قبيل الاعتداء على حقوق الغير، وهذا يشمل في حالتنا هذه المال الذي تملكه الزوجة أو الزوج، حيث من المعروف شرعًا أنه لا يجوز للمرأة أن تتصرف في مال زوجها دون إذنه، سواء كان ذلك في الإنفاق أو التصدق.
وإذا أخذنا في الاعتبار هذه القاعدة الفقهية المهمة، نجد أن السؤال المطروح يعكس تحديًا فنيًا في تفسير النصوص الشرعية، ويستدعي فقهًا دقيقًا للتوازن بين حقوق الزوج والحقوق الشرعية للمرأة، في الواقع يُظهر ذلك التفاعل المعقد بين مبدأ حرية التصرف ومبدأ حفظ حقوق الغير، خاصة في إطار الحياة الزوجية.
تعدد الآراء
من جهة أخرى، يعتبر البعض أن الأمر لا يتطلب موافقة مباشرة إذا كان التصرف في الأشياء البسيطة مثل الطعام أو الأموال القليلة التي يعاملها الزوج كجزء من حياته اليومية، لكن في حال كانت الصدقة تتعلق بمبالغ أكبر أو أشياء ثمينة، فمن الواجب الحصول على إذن صريح من الزوج.
الحديث الشريف أيضًا يقدم لنا دليلًا إضافيًا في هذا السياق، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه: «إِذَا أَنْفَقَتِ المَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ، كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ»، مشيرًا إلى أن الزوجة يمكنها أن تنفق من مال البيت على الفقراء أو المحتاجين بشرط أن يكون ذلك ضمن إطار ما اعتاد عليه الزوج أو لا يتطلب بذل مال كثير من غير إذن.
وعلى الرغم من أن مسألة تصدق الزوجة من مال زوجها دون إذنه قد تكون موضوعًا حساسًا في بعض الأحيان، إلا أن الفقهاء قد اتفقوا في الغالب على أن الزوجة لا يمكنها أن تتصرف في أموال زوجها إلا بإذن صريح أو بموافقة ضمنية من خلال العرف السائد، وهذا يُعد بمثابة حفاظ على حقوق الزوج وحماية لثرواته من أي تصرفات قد تؤدي إلى نزاع أو خلافات.
وبناءً على ما سبق، فإن الإجابة التي قدمتها دار الإفتاء المصرية تبرز أهمية فهم الحدود الشرعية في التعامل مع المال المشترك في إطار الزواج، حيث أكدت على ضرورة احترام الحقوق المتبادلة بين الزوجين، والالتزام بالتعاون في الأمور المالية بما يتماشى مع ما يرضي الله ورسوله، مع الأخذ بعين الاعتبار العرف والعادة في التعاملات اليومية.