هل يجوز التيمم في حالة العذر الذي يمنع استخدام الماء؟
في إطار التيسير على المسلمين في أداء عباداتهم، تطرقت دار الإفتاء المصرية إلى مسألة التيمم، خاصة في الحالات التي يمنع فيها الشخص من استخدام الماء، وأوضحت الدار في فتوى حديثة لها أن المريض الذي لا يستطيع استخدام الماء لأداء الطهارة يجوز له التيمم بديلاً عن الوضوء، وذلك في حالة ما إذا كان الخوف من زيادة المرض أو تأخر الشفاء هو السبب الذي يمنعه من استعمال الماء، وأضافت الدار أن المريض يمكنه الاستمرار في أداء الصلاة بتيممه حتى يُشفى، ولا يلزمه إعادة الصلاة بعد الشفاء، في ظل ما قررته الشريعة الإسلامية من تيسير على المكلفين في حالات العذر.
الإفتاء تكشف حكم التيمم
وأكدت دار الإفتاء أن التيمم يكون باستخدام التراب الطاهر، بالإضافة إلى المواد التي تكون من جنس الأرض مثل الرمل والحجر والجص، وقد استندت في فتواها إلى قوله تعالى في القرآن الكريم: “فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا” [المائدة: 6]، وهو ما يتيح للمسلمين في حال العذر أن يتوجهوا إلى التيمم إذا عجزوا عن استخدام الماء.
أما عن كيفية التيمم، فقد أوضحت الدار أن المسلم يجب عليه أن يضرب بباطن كفيه على الصعيد الطاهر ضربتين: الأولى يمسح بها وجهه، والثانية يمررها على يديه حتى المرفقين، مع ضرورة استحضار النية أثناء التيمم، كما أكدت الدار أن التيمم يعتبر بديلاً شرعياً للوضوء في حال تعذر استخدام الماء بسبب المرض أو غيره من الأسباب الموجبة للتيمم.
وفيما يتعلق بأداء أكثر من فرض بتيمم واحد، أوضحت دار الإفتاء أنه يجوز للمسلم الذي يحق له التيمم بسبب عذر من أعذار شرعية، أن يؤدي أكثر من فرض باستخدام تيمم واحد، وأكدت الدار أنه إذا كان المسلم قد تيمم لأداء صلاة معينة ودخل وقت صلاة أخرى، فيجوز له أن يؤدي الصلاة الثانية باستخدام نفس التيمم طالما لم يخرج وقت الصلاة التي تيمم لها أو لم يجد الماء، وقد أشارت إلى أنه إذا كانت هناك مشقة في أداء التيمم لكل صلاة على حدة، فيجوز أداء أكثر من فريضة بتيمم واحد دون التقيد بوقت معين، حتى يخرج وقت الصلاة أو حتى يجد الماء.
وقد استندت دار الإفتاء إلى ما تقرر في القواعد الشرعية من ضرورة التيسير على المكلفين والخروج من الخلافات الفقهية بما يرفع الحرج عنهم، مستشهدة بآيات قرآنية وأحاديث نبوية تدعو إلى التيسير ورفع المشقة عن المسلمين، وقالت الدار: “ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون” [المائدة: 6]، وكذلك “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” [البقرة: 185]، مؤكدة أن الشريعة جاءت لتسهل على المسلمين ولا تثقل عليهم بما لا يطيقونه.
وشددت دار الإفتاء على أن التيمم هو وسيلة للتيسير على المكلفين، ويجب أن يُستخدم في الحالات التي يعيق فيها العذر الشخص من استخدام الماء، مثل المرض أو الظروف الاستثنائية، مع مراعاة أصول الشريعة في هذا الشأن التي تسعى إلى رفع الحرج وتوفير الطمأنينة للمؤمنين في أداء عباداتهم بشكل صحيح.
آراء العلماء في حكم الكلام أثناء الوضوء
نقلت دار الإفتاء قول العلَّامة ابن مازه الحنفي في كتابه “المحيط البرهاني” (1/48)، حيث ذكر: “ومن الأدب: ألَّا يتكلم فيه بكلام الناس”، وأوضحت أن هذا الرأي يشير إلى أن الامتناع عن الكلام أثناء الوضوء يُعدّ من الآداب المستحبّة، لكنه ليس بواجب أو شرط لصحة الوضوء.
وأضافت دار الإفتاء أن العلَّامة ابن نجيم الحنفي، في كتابه “البحر الرائق” (1/30)، أكد على أن ترك الكلام أثناء الوضوء يُعتبر أدبًا، لكنه استثنى الحالات التي تستدعي الكلام لأمر ضروري، قائلًا: “ترك كلام الناس لا يكون أدبًا إلا إذا لم يكن لحاجة، فإن دعت إليه حاجة يخاف فوتها بتركه لم يكن في الكلام ترك الأدب؛ كما في ‘شرح المنية’”.
أما في المذهب المالكي، فقد ورد في كتاب “الشرح الصغير” للعلَّامة الدردير (1/127-128): “ويكره الكلام حال الوضوء بغير ذكر الله تعالى”، مما يدل على أن الكلام المباح في غير ذكر الله تعالى أثناء الوضوء يُعدّ مكروهًا، ولكنه لا يفسد الوضوء أو ينقص من أجره.
توجهات الشافعية والحنابلة
وفي المذهب الشافعي، أشار الإمام النووي في كتابه “المجموع” (1/465-466) إلى أن الامتناع عن الكلام أثناء الوضوء يُعدّ من سنن الوضوء المستحبّة، إذ قال: “قد ذكر المصنف أن سنن الوضوء اثنتا عشرة منها ألَّا يتكلم فيه لغير حاجة”، وأوضح أن بعض العلماء وصفوا الكلام أثناء الوضوء بأنه مكروه، إلا أن الإمام النووي بيّن أن الكراهة هنا تعني “ترك الأولى”، أي أنه يُفضل تجنبه، لكنه ليس محرمًا.
وعلى النهج نفسه، أشار العلَّامة الحجاوي المقدسي الحنبلي في كتابه “الإقناع” (1/30) إلى أنه: “لا يسن الكلام على الوضوء بل يكره، والمراد بالكراهة ترك الأولى”.