فضل الوضوء بالماء البارد في أيام الشتاء
يعتبر الوضوء هو من أعظم العبادات التي شرعها الله تعالى ليطهر بها المسلم نفسه قبل الصلاة، فهي شرط لصحتها، وفي فصل الشتاء، حيث يصبح الماء بارداً وتزداد صعوبة الوضوء، يُثار تساؤل لدى كثيرين: ما أجر الوضوء بالماء البارد في هذا الفصل؟
في بث مباشر على صفحة دار الإفتاء المصرية عبر “فيسبوك”، أجاب الدكتور محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، عن هذا التساؤل، مؤكدًا أن الوضوء بالماء البارد صحيح، تمامًا كما هو الحال مع الماء الدافئ، فكلاهما يفي بالغرض الشرعي للوضوء، وأشار إلى أن الأجر في العبادة يتزايد مع المشقة والصبر عليها، حيث يتذوق المسلم من خلال هذه المشقة “حلاوة العبادة”.
الوضوء بالماء الدافئ أو البارد: أيهما أفضل؟
على صعيد آخر، أوضح الشيخ عويضة عثمان، مدير إدارة الفتوى الشفوية بدار الإفتاء المصرية، أن الوضوء بالماء الدافئ في الشتاء أفضل لأنه أبلغ في إسباغ الوضوء وإتمامه على الوجه الصحيح، كما يساعد على إزالة الأوساخ بشكل أفضل، ومع ذلك فإن الوضوء بالماء البارد لمن يصبر عليه له فضل عظيم، خاصة إذا احتسب الإنسان هذه المشقة في سبيل الله.
واستشهد الشيخ عثمان بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: “ألا أدلكم على ما يرفع به الدرجات ويمحو به الخطايا؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره”، فإسباغ الوضوء في الظروف الصعبة، سواء كان ذلك بسبب برودة الماء أو أي مشقة أخرى، يعد من الأعمال التي يرفع الله بها الدرجات ويغفر بها الذنوب.
هل استخدام الماء الساخن ينقص الأجر؟
بعض الناس قد يتساءلون عن تأثير استخدام الماء الساخن على ثواب الوضوء، وهل ينقص الأجر بالمقارنة مع الوضوء بالماء البارد؟ في رد على هذا السؤال، قال الشيخ أبو بكر الشافعي، أحد علماء الأزهر الشريف، إنه لا يوجد نص شرعي يدل على أن استخدام الماء الساخن يقلل من أجر الوضوء، وأكد أن الله تعالى رحيم بعباده، حيث قال: {مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ}، مشيرًا إلى أن الهدف الأساسي هو إتمام الوضوء على الوجه المشروع.
أحكام إضافية حول الوضوء في الظروف الخاصة
من جهة أخرى، تناول الدكتور محمد عبد السميع، مدير إدارة الفروع الفقهية بدار الإفتاء المصرية، بعض الاستفسارات المتعلقة بالوضوء في الظروف الصعبة، وردًا على سؤال حول إمكانية المسح على الكم بدلاً من غسل اليدين، أوضح أن المسح على الملابس غير جائز شرعًا، فالواجب هو غسل اليدين إلى المرفقين كما أمر الله، ولا يمكن القياس على الرخص الممنوحة كالمسح على الخفين.
كما أوضح أن النساء اللاتي يعتقدن أن المسح على الأكمام يمكن أن يغني عن غسل اليدين يقعن في خطأ فقهي، لأن هذه الرخصة غير موجودة في الشرع، وأشار إلى أنه في حالة عدم توفر مكان للوضوء، يجوز الجمع بين الصلوات في أضيق الحدود، مع السعي لإتمام الوضوء بالطريقة الصحيحة كلما أمكن.
الوضوء: عبادة يضاعف أجرها في الظروف الصعبة
الوضوء بالماء البارد في الشتاء ليس مجرد طقس يومي، بل هو عبادة يتقرب بها المسلم إلى ربه، ويتحدى فيها نفسه وراحته، ومع أن الإسلام يراعي ظروف الإنسان ويوفر له الرخص، فإن فضل الصبر على المشقة في العبادات لا يُضاهى، فهو طريق لنيل الدرجات العليا ومغفرة الذنوب.
أكدت دار الإفتاء المصرية أن لـ الوضوء آدابًا يجب على المسلم مراعاتها أثناء أدائه، مشيرةً إلى أن الكلام أثناء الوضوء دون حاجة يُعدّ من الأمور التي تتعارض مع آداب الوضوء في المذهب الحنفي، ومكروهًا عند المالكية، بينما اعتبره الشافعية والحنابلة أمرًا خلاف الأولى، أي أنه لا يصل إلى درجة التحريم أو الكراهة التحريمية، لكنه ينافي الأفضل.
وأوضحت دار الإفتاء، في إجابتها عن سؤال ورد إليها بشأن حكم الكلام أثناء الوضوء، أن هذه المسألة قد تناولها العلماء في كتب الفقه عبر العصور، حيث استدلوا على ضرورة التزام الخشوع والسكينة أثناء الوضوء باعتباره مقدمةً للصلاة، التي تعدّ أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين.
آراء العلماء في حكم الكلام أثناء الوضوء
نقلت دار الإفتاء قول العلَّامة ابن مازه الحنفي في كتابه “المحيط البرهاني” (1/48)، حيث ذكر: “ومن الأدب: ألَّا يتكلم فيه بكلام الناس”، وأوضحت أن هذا الرأي يشير إلى أن الامتناع عن الكلام أثناء الوضوء يُعدّ من الآداب المستحبّة، لكنه ليس بواجب أو شرط لصحة الوضوء.
وأضافت دار الإفتاء أن العلَّامة ابن نجيم الحنفي، في كتابه “البحر الرائق” (1/30)، أكد على أن ترك الكلام أثناء الوضوء يُعتبر أدبًا، لكنه استثنى الحالات التي تستدعي الكلام لأمر ضروري، قائلًا: “ترك كلام الناس لا يكون أدبًا إلا إذا لم يكن لحاجة، فإن دعت إليه حاجة يخاف فوتها بتركه لم يكن في الكلام ترك الأدب؛ كما في ‘شرح المنية’”.
أما في المذهب المالكي، فقد ورد في كتاب “الشرح الصغير” للعلَّامة الدردير (1/127-128): “ويكره الكلام حال الوضوء بغير ذكر الله تعالى”، مما يدل على أن الكلام المباح في غير ذكر الله تعالى أثناء الوضوء يُعدّ مكروهًا، ولكنه لا يفسد الوضوء أو ينقص من أجره.