حكم قراءة القرآن بسرعة لختمه أكثر من مرة في رمضان.. الإفتاء توضح

يعد القرآن الكريم هو كتاب الله الذي أنزله نورًا ورحمة للعالمين، وهو المصدر الأول للتشريع والهداية، وهو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقراءته عبادة يتقرب بها المسلم إلى ربه، فينال الأجر والثواب العظيم، فهو نور يضيء القلوب بالإيمان، ويرفع الله به درجات عباده الصالحين.
وقد ورد في فضل تلاوة القرآن حديث شريف عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ»، وهو حديث يؤكد على عظيم فضل قراءة القرآن، فكل حرف يقرأه المسلم يضاعف له الأجر أضعافًا كثيرة، وفي رمضان يتضاعف هذا الفضل، حيث يُقبل المسلمون على تلاوة القرآن وختمه أكثر من مرة، ابتغاء رضا الله وطلبًا لمغفرته.
حكم قراءة القرآن بسرعة دون تدبر
قال الدكتور أحمد ممدوح، أمين لجنة الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن القرآن الكريم هو النور الذي أنزله الله رحمة لعباده، وهو المصدر الذي يستمد منه المسلم الهداية والطاقة الروحية، فقراءته عبادة، والتفكر في معانيه عبادة، والعمل بأحكامه واجب على كل مسلم، ومن حق المسلم على نفسه أن يكون له ورد يومي من القرآن، فلا يكون ممن يهجرونه، فهجر القرآن لا يعني فقط هجر قراءته، بل يشمل أيضًا هجر تدبره وهجر العمل بأحكامه.
وأشار الدكتور أحمد ممدوح إلى أن قراءة القرآن بسرعة دون تدبر لا تأثم صاحبها، لكنه يفوّت بذلك على نفسه فضلًا عظيمًا، لأن القرآن الكريم نزل ليُتدبَّر، فقد قال الله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾ [ص: 29]، كما قال: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: 24]، فالمطلوب من المسلم عند تلاوته للقرآن أن يحاول فهم معانيه، ولا يكون همه فقط سرعة الختم دون تدبر، فمن قرأ القرآن بتمهل وتدبر كان له أجر أعظم من الذي يقرؤه بسرعة دون فهم.
وأوضح الدكتور ممدوح أن من آثار هجر تدبر القرآن الشعور بالقلق والهم والحزن، فمن فقد نور القرآن لن يجد ما يواسيه في هموم الحياة، كما أن القلب الذي يُحرم من التدبر يعيش في وحشة وظلمة، فيشعر المسلم بنقص البركة في حياته، سواء في الرزق أو الصحة أو العلاقات الاجتماعية، حيث يؤدي هجر القرآن إلى اضطراب النفس وزيادة التوتر في الحياة اليومية.
حكم قراءة القرآن بسرعة أثناء الصلاة وخارجها
أكد الدكتور أحمد ممدوح أن قراءة القرآن بسرعة جائزة بشرط ألا يؤدي ذلك إلى إخلال بأحكام التجويد أو نطق الحروف، موضحًا أن قراءة القرآن بسرعة تعرف في علم التجويد باسم “الحدر”، وهو أحد أساليب القراءة، حيث تنقسم مراتب القراءة إلى ثلاث مراتب، وهي التحقيق، والتدوير، والحدر، ولكل مرتبة أحكامها، فالتحقيق هو القراءة ببطء شديد مع تدقيق الأحكام، والتدوير هو القراءة المتوسطة التي تجمع بين التدبر والتمهل، أما الحدر فهو القراءة السريعة التي يراعي فيها القارئ أحكام التجويد دون إخلال بالنطق الصحيح للكلمات.
أما عن حكم قراءة القرآن لمن لا يجيد أحكام التجويد، فقد أوضح الشيخ محمد عبد السميع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن القراءة لها ثواب عظيم حتى وإن لم يكن القارئ متقنًا لأحكام التجويد، فمن لم يستطع إتقان التجويد فلا حرج عليه في القراءة كما يستطيع، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ»، وهذا يدل على أن من يجاهد نفسه في القراءة رغم صعوبتها عليه له أجر مضاعف، ولا يُشترط أن يكون المسلم متقنًا لأحكام التجويد ليقرأ القرآن، بل يكفيه أن يجتهد في تلاوته ويحاول تحسين قراءته قدر استطاعته.
فضل قراءة القرآن يوميًا في رمضان
إن قراءة القرآن الكريم يوميًا لها فضل عظيم، وخاصة في شهر رمضان، فهو شهر القرآن الذي أنزل فيه الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن فضائل القراءة اليومية أنها تصفي الذهن، حيث تمنح المسلم راحة نفسية كبيرة، فيشعر بالسكون والطمأنينة، كما أنها تقوي الذاكرة، فالقرآن هو خير ما يثبت في الذاكرة بالتكرار والتدبر والحفظ، كما أن قراءة القرآن تمنح القلب الطمأنينة، فقد قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]، فمن يحافظ على تلاوة القرآن يجد في قلبه سكينة خاصة تعينه على مواجهة صعوبات الحياة.
كما أن المواظبة على قراءة القرآن تزيد بركة الرزق، فمن يجعل للقرآن وردًا يوميًا يرى أثر ذلك في حياته، حيث يجد البركة في وقته ورزقه وعلاقاته، فهو يوسع الصدر وينير البصيرة، ومن يحرص على تلاوة القرآن يوميًا في رمضان سيجد أثر ذلك حتى بعد انتهاء الشهر الكريم، حيث يعتاد على ورد يومي يمنحه القرب من الله.
قراءة القرآن عبادة عظيمة والأفضل للمسلم أن يحرص على التدبر أثناء التلاوة، ولكن إن قرأ بسرعة دون تدبر فلا إثم عليه، وإن كان الأولى أن يتأنى ليستشعر معاني الآيات، كما أن من لم يكن متقنًا للتجويد فله أجر عظيم، ويكفيه أن يقرأ القرآن كما يستطيع، فالأجر مضاعف لمن يجاهد نفسه والأهم هو الاستمرار في قراءة القرآن والتعلق به، سواء بالحفظ أو التلاوة، لأنه نور القلوب وسبيل الهداية والسكينة.