طلاب قسم الإذاعة والتلفزيون يبدعون في «الحويطات».. فيلم درامي عن الأرواح والأساطير

«الحويطات».. في إطار سعيها لدعم الإبداع الشبابي وتسليط الضوء على قضايا مجتمعية وثقافية من زوايا غير تقليدية، شهد معهد الإسكندرية العالي للإعلام، قسم الإذاعة والتلفزيون، عرض مشروع تخرج طلاب القسم للعام الأكاديمي الجاري، والذي جاء بعنوان «الحويطات»، وهو فيلم درامي قصير مستلهم من قصة حقيقية مهجورة طواها النسيان في قلب صحراء مصر الشرقية.
الفيلم الذي أخرجته الإعلامية رضوى حسين، اعتمد على معالجة درامية مشوقة تتقاطع فيها الحقيقة مع الخيال، ويعيد عبر عدسة طلابية شبابية استكشاف واحدة من أكثر المناطق غموضًا في جنوب مدينة سفاجا، حيث تقع قرية «أم الحويطات» المعروفة لاحقًا باسم «قرية الأشباح»، والتي كانت يومًا ما مركزًا هامًا لاستخراج الفوسفات قبل أن تتحول إلى منطقة مهجورة تسكنها الأساطير وتطاردها حكايات الأرواح والظلال الغامضة.
قرية الفوسفات التي تحولت إلى صمت
تبدأ أحداث الفيلم من مجموعة من طلاب الإعلام يسعون لتوثيق معالم القرية ضمن مشروع تخرجهم، ليقودهم الفضول إلى أعماق منطقة طواها النسيان.
شيئًا فشيئًا، تتحول رحلة التوثيق إلى مغامرة غير متوقعة حين تظهر شخصية غامضة تُدعى «العرباوي»، يحمل بين كلماته مفاتيح الغموض المدفون في الرمال والمباني المهجورة.
الفيلم لا يكتفي بالسرد الوثائقي، بل يتناول التحولات التي مرت بها القرية من قلعة إنتاجية نشطة في قطاع التعدين إلى موقع أطلال تكسوه الرمال ويسكنه الصمت، وسط أجواء من الحزن، والرهبة، والتساؤلات.

بين الواقع والأسطورة
من خلال سرد درامي مشوّق، يتعمق الفيلم في العلاقة بين الإنسان والمكان والذاكرة الجمعية، إذ تتردد الحكايات الشعبية عن امرأة غامضة تظهر في الظلام، وعن سكان رحلوا على عجل وكأن لعنة ما طردتهم.
هذا التداخل بين الحقيقي والأسطوري يمنح العمل بعدًا نفسيًا واجتماعيًا وثقافيًا، يفتح أبوابًا للتأمل في مصير المناطق الصناعية النائية التي تُهجر فجأة.
كما يلعب الفيلم على توظيف تقنيات الرعب النفسي والرموز الغامضة، لكن دون أن ينزلق إلى الإثارة المجانية، بل يحافظ على خط فني ملتزم ينقل المشاهد من حالة بحث علمي إلى مواجهة مع المجهول.
فريق العمل.. طاقات طلابية واعدة
ضم فريق الفيلم عددًا من الطلاب الذين توزعوا بين الإخراج والكتابة والتصوير والمونتاج والإنتاج، وكان لكل منهم بصمته الخاصة في إنجاح العمل.
وجاءت الفكرة والسيناريو والإعداد لسعاد السيد، بينما تولت ميرنا محمد مهمة الإخراج المنفذ، وندا صلاح كمساعد إخراج، ومنى أحمد في المونتاج، وياسمين بشر في المراجعة والميكب، وحبيبة خليل كمديرة تصوير، ومروان أحمد كمساعد تصوير، ومريم يسري في الإضاءة، ويارا حمادة كمهندسة صوت، بينما تولت هايدي ماجد مهام مدير الإنتاج، وألفت عبد العاطي منتج منفذ، ودنيا محمد مسؤولة الديكور، ودينا رجب عن الإكسسوار والملابس.
الفيلم تم إنتاجه تحت إشراف عام من أ.د. غادة اليماني، عميدة المعهد، وإشراف أكاديمي من أ.د. شرين جمال، وبمساعدة إشراف من أ.م. دنيا عزت.

تكريم مستحق
حصد "الحويطات" جائزة «أفضل مشروع متكامل» على مستوى قسم الإذاعة والتلفزيون، تقديرًا لتكامله الفني والتقني، وقوة معالجته، ولتميزه في اختيار موضوع يعكس الاهتمام بالهوية المحلية والتاريخ المنسي للمناطق المهمشة.
وقد أثنت لجنة التقييم على استخدام الطلاب لتقنيات الإضاءة والظل في التعبير عن الغموض، إضافة إلى توظيف الصوت والموسيقى في خلق أجواء نفسية مؤثرة، فضلًا عن احترافية المونتاج الذي حافظ على تسلسل مشوّق دون إغراق أو مبالغة.
رسالة الفيلم
يحمل «الحويطات» بين مشاهده رسالة مزدوجة: الأولى تتعلق بإحياء الذاكرة الشعبية والمواقع التي كانت يومًا نبضًا للحياة، والثانية تبرز قدرات الشباب المصري في تقديم أعمال إبداعية تنبع من بيئتهم وتستفيد من إمكاناتهم رغم محدودية الموارد.
ويؤكد الفيلم أن العمل الطلابي الجاد قادر على تجاوز المتوقع، وأن الإعلام حين يُسخّر لخدمة قضايا المجتمع يخرج من قاعات الدراسة إلى واقع الناس، ناقلًا الحكايات التي لم تُرو بعد، ومستنهضًا تاريخًا يُراد له أن يُنسى.