هل يصح الوقوف بعرفة للحائض أو الجنب؟.. دار الإفتاء توضح الحكم الشرعي

تواصل دار «الإفتاء» المصرية دورها في التوعية الدينية والرد على استفسارات المسلمين في مختلف القضايا الشرعية، ومن بين الأسئلة المهمة التي وردت إليها مؤخرا سؤال يتعلق بواحد من أهم مناسك الحج، إذ تساءل أحد السائلين عن «حكم الوقوف بعرفة للحائض والجنب»، وهل يعتبر هذا الوقوف صحيحًا شرعًا أم لا، وهو ما حاولت «الإفتاء» تقديم الإجابة الشرعية الدقيقة بشأنه، استنادًا إلى المصادر الفقهية الموثوقة، وأقوال العلماء، والأحاديث النبوية الصحيحة.
لا تشترط الطهارة لصحة الوقوف بعرفة
أكدت دار «الإفتاء» المصرية عبر منصتها الرسمية أن «الطهارة» ليست شرطًا لصحة الوقوف بعرفة، موضحة أنه إذا وقف الحاج في عرفات وهو على «حدث أكبر» كأن يكون جنبًا أو إذا وقفت المرأة وهي حائض، فإن الوقوف حينها يُعد «صحيحًا» من الناحية الشرعية، وبالتالي فإن الحج يُحسب لهم دون أن يترتب على ذلك حرج أو بطلان أو فدية.
وأضافت «الإفتاء» أن ما يميز هذه الشعيرة العظيمة أنها قائمة على النية والإخلاص وحضور القلب لا على الطهارة الحسية، وبالتالي فإن من وقف بعرفة في تلك الحال فقد أدرك الركن الأعظم من أركان الحج ولا شيء عليه في ذلك، مشيرة إلى أن جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة يتفقون على هذا الحكم الشرعي.
الحج ركن عظيم من أركان الإسلام
وأشارت دار «الإفتاء» إلى أن الحج من أركان الإسلام الخمسة التي لا يكتمل إسلام المسلم إلا بها، وقد ورد في كتاب الله تعالى قوله سبحانه: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ من سورة آل عمران الآية 97، وهو نص صريح يدل على وجوب الحج على كل من توفرت له شروط الاستطاعة.
واستشهدت «الإفتاء» كذلك بما رواه الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، حيث قال: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر أن «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت»، وهو حديث متفق عليه رواه الشيخان في صحيحيهما، ما يدل على أهمية الحج كمكون أساسي من مكونات الإسلام.
عرفة هو الركن الأعظم في الحج
وأوضحت دار «الإفتاء» أن الوقوف بعرفة هو الركن الأعظم في مناسك الحج، بل إن بعض العلماء اعتبره الركن الذي لا يُجزئ الحج إلا به، وقالت إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بيّن بوضوح هذا الأمر عندما سأله بعض أهل نجد عن كيفية الحج، فأجابهم بقوله: «الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه»، والحديث رواه أهل السنن، واللفظ لابن ماجه.
وأضافت «الإفتاء» أن هذا الحديث يدل على أن من فاته الوقوف بعرفة فقد فاته الحج برمته، لأن النبي صلى الله عليه وسلم اختزل مناسك الحج كلها في هذا الركن عندما قال «الحج عرفة»، وهو تعبير دقيق يعكس مركزية هذا الموقف الزماني والمكاني في أداء الشعيرة.
إجماع العلماء على صحة الوقوف للحائض والجنب
أشارت دار «الإفتاء» إلى أن الإجماع قائم بين العلماء على أن «الطهارة» ليست شرطًا لصحة الوقوف بعرفة، وهو ما أكده الفقيه علاء الدين الكاساني في كتابه الشهير «بدائع الصنائع»، حيث أشار بوضوح إلى أن الحائض والجنب إذا وقفا بعرفة فقد صح منهما الحج ولا فدية عليهما.
وبيّنت «الإفتاء» أن هذا الإجماع ينبع من فقه عميق لمقاصد الشريعة الإسلامية التي تركز على «اليسر ورفع الحرج»، موضحة أن بعض العبادات مثل الصلاة تشترط الطهارة، في حين أن «الحج» بمناسكه المختلفة لا يشترط فيها ذلك إلا في الطواف، أما الوقوف بعرفة فلا يُشترط له الطهارة، وهو ما يرفع عن الناس الكثير من المشقة خاصة في أوقات الزحام وكثرة الحجاج.
التيسير هو الأصل في الشريعة
وفي هذا السياق أوضحت دار «الإفتاء» أن مبدأ التيسير أحد القواعد الكبرى في الفقه الإسلامي، وهو ما يتجلى في كثير من أحكام الحج، ومنها ما يتعلق بالوقوف بعرفة، حيث لا يُكلف الحاج بما يشق عليه، مؤكدة أن الشريعة الإسلامية جاءت لرفع الحرج عن المكلفين، والتخفيف عنهم، خاصة في مواسم الطاعات.
وأكدت «الإفتاء» أن مثل هذه الفتاوى تساهم في طمأنة المسلمين وتزيل عنهم الوساوس أو القلق بشأن صحة أعمالهم العبادية، وهو دور أساسي تقوم به «الإفتاء» عبر لجانها المتخصصة وعلمائها الثقات.
توصية بالرجوع إلى الفتاوى الرسمية
في ختام ردها، دعت دار «الإفتاء» عموم المسلمين، لا سيما الحجاج والمعتمرين، إلى الرجوع للفتاوى الرسمية المعتمدة الصادرة عنها وعدم الانجرار وراء الفتاوى غير الموثقة التي تنتشر أحيانًا على بعض المنصات، مشيرة إلى أن «الإفتاء» تعتمد على منهج علمي دقيق، وتستند إلى المصادر الشرعية الصحيحة وتحرص على بيان الأحكام الشرعية بطريقة مبسطة وموثوقة.
يتضح من فتوى دار «الإفتاء» أن الوقوف بعرفة لا يُشترط له الطهارة، ويجوز للحائض والجنب أن يقفوا بعرفة، ويعد ذلك صحيحًا شرعًا، ولا يُطلب منهم إعادة أو فدية أو كفارة، وهو ما يعكس رحمة الإسلام وسماحته وتيسيره لأمور العباد، لتبقى مقاصد الحج الروحية والإيمانية هي الأهم.