الجمعة 30 مايو 2025 الموافق 03 ذو الحجة 1446
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
عاجل

بعد سلسلة من الحوادث.. مدينة تنهي عصر «الاسكوتر الكهربائي» نهائيا

الاسكوتر الكهربائي
الاسكوتر الكهربائي

الاسكوتر الكهربائي كان حتى وقت قريب يُعتبر رمزًا للتقدم الحضري ووسيلة نقل ذكية تلبي احتياجات التنقل السريع داخل المدن المزدحمة، فقد جذب «الاسكوتر الكهربائي» أنظار الشباب والموظفين وحتى السائحين الباحثين عن طريقة مرنة وسهلة للوصول إلى وجهاتهم دون الحاجة إلى الوقوف في زحام المرور أو دفع ثمن الوقود المرتفع باستمرار، لكن ما كان يبدو حلاً مبتكرًا لمشكلات النقل اليومية سرعان ما تحول إلى معضلة حضرية جديدة تهدد السلامة العامة وتربك المشهد العمراني، وخاصة في المدن التي انتشر فيها الاسكوتر بشكل غير منظم.

الارصفة تحت الحصار.. والمشاة في خطر دائم

المفارقة أن الاسكوتر الكهربائي الذي جاء ليخدم الناس بات يُنظر إليه الآن كتهديد حقيقي على الأرصفة، فقد أصبح المارّة يواجهون ما يشبه سباقًا غير معلن مع مركبات صغيرة تتحرك بصمت وسرعة وتفاجئهم من الخلف أو من الجوانب، مما تسبب في ارتفاع معدلات التصادم والإصابات، ففي مدينة «دنفر» بولاية كولورادو الأمريكية على وجه التحديد، تفاقمت الأزمة بشكل لافت حتى دفعت السلطات إلى اتخاذ قرارات حاسمة وجذرية.

الاسكوتر الكهربائي 
الاسكوتر الكهربائي 

تشريع جديد.. و«تكنولوجيا ذكية» تدخل الخط

الرد الرسمي من السلطات في دنفر لم يتأخر، إذ أقرّ مجلس المدينة بالإجماع قانونًا جديدًا يلزم شركات الاسكوتر الكهربائي بتركيب تقنية متقدمة تجبر «الاسكوتر» على التوقف تلقائيًا في حال خروجه عن المسارات المخصصة أو في حال تم استخدامه على الأرصفة العامة، ووصفت هذه الخطوة بأنها «حماية للمشاة» و«إصلاح عاجل» لوضع خرج عن السيطرة.

التقنية التي يتم اختبارها حاليًا من قبل وزارة النقل والبنية التحتية تعتمد – وفقًا لما نقلته شبكة FOX31 Denver – على نظام تحديد المواقع GPS، لكن التحدي الأبرز يكمن في قدرة هذه التقنية على التمييز بدقة بين الرصيف والطريق، فبينما قد تبدو الفكرة بسيطة على الورق، فإن التطبيق العملي يواجه مشكلات معقدة مرتبطة بتغير طبيعة الأرصفة من منطقة إلى أخرى، وتداخلها أحيانًا مع مسارات الدراجات.

مخاوف السلامة وراء القرار الحاسم

عضو مجلس مدينة دنفر «كريس هندز» تحدث عن التشريع الجديد مؤكدًا أن الهدف الأساسي من القانون ليس «محاربة الاسكوتر» أو وسائل النقل الجديدة، وإنما حماية أرواح المواطنين، وأضاف أن المشاة لا ينبغي أن يعيشوا تحت التهديد المستمر من التصادم مع سكوتر كهربائي قد يظهر فجأة على الرصيف ويؤدي إلى إصابات خطيرة، كما أشار إلى ضرورة وضع «معايير وطنية» تنظم التنقل الحديث وتضمن العدالة بين وسائل النقل والمشاة.

أرقام لا تُكذّب.. وإصابات بالآلاف

الخطورة لا تكمن فقط في الفرضيات، بل في الأرقام الحقيقية المسجلة، إذ سجلت إدارة الطوارئ ومراكز الرعاية العاجلة في دنفر وحدها خلال عام 2024 ما يقرب من 2000 إصابة مرتبطة بحوادث الاسكوتر الكهربائي، وتنوعت هذه الإصابات بين كسور في الأطراف، وارتجاجات في الدماغ، وجروح قطعية نتيجة التصادم بالمارة أو السقوط من فوق الاسكوتر نفسه أثناء المناورة على الأرصفة أو المسارات غير الممهدة.

هذه الأرقام توضح بما لا يدع مجالًا للشك أن «الاسكوتر» تحول من أداة مساعدة إلى خطر فعلي يستوجب التنظيم والتقنين، وربما فرض مزيد من الرقابة التكنولوجية على الشركات المصنعة والمشغلة، كما أن طبيعة الإصابات توحي بأن غالبية الضحايا لم يكونوا هم مستخدمي الاسكوتر أنفسهم، بل مشاة أبرياء وجدوا أنفسهم في مسار مركبة لم يكن ينبغي لها التواجد أصلاً على الرصيف.

السؤال القادم.. هل تلتزم الشركات؟

السؤال الذي سيطرحه الكثيرون بعد هذا التشريع هو مدى التزام شركات تشغيل الاسكوتر بهذه القوانين الجديدة، فبعض الشركات قد ترى في القيود التقنية عائقًا أمام الاستخدام المرن للخدمة، وقد تكون هناك محاولات للتحايل على التقنية أو تأخير تنفيذها، كما يبقى التحدي في كيفية مراقبة عشرات الآلاف من الاسكوترات المنتشرة في شوارع المدينة والتأكد من أنها مجهزة بالتكنولوجيا المطلوبة.

السلطات في دنفر تدرك هذا التحدي، ولذلك بدأت باختبار التقنية فعليًا قبل تطبيق القانون بشكل كامل، كما أنها تعتمد على نظام إشراف مباشر من وزارة النقل والبنية التحتية لضمان عدم التلاعب أو التراخي في التنفيذ.

هل تلحق المدن الأخرى بركب دنفر؟

إذا نجح هذا التشريع في تحقيق أهدافه وخفّض من عدد الإصابات المرتبطة بحوادث الاسكوتر الكهربائي، فمن المرجح أن تلجأ مدن أمريكية وعالمية أخرى إلى تبني نفس النموذج أو تعديل قوانينها بما يتوافق مع هذه التجربة الرائدة، فالعالم يتجه نحو المزيد من وسائل النقل الشخصية الصغيرة والخفيفة، لكن دون أن يكون ذلك على حساب سلامة المارة أو النظام العام.

قضية الاسكوتر الكهربائي تفتح بابًا واسعًا للنقاش حول كيفية التوفيق بين التطور التكنولوجي ومتطلبات الحياة الحضرية الآمنة، وقد يكون هذا النقاش هو ما سيدفع المدن إلى التفكير بطريقة أكثر شمولًا عند دمج التقنيات الجديدة في الفضاء العام.

لا يبدو أن مدينة دنفر تسعى إلى «منع الاسكوتر» تمامًا، بل على العكس، فهي تعترف بفائدته وتدرك مكانته في مستقبل النقل، ولكنها تسعى لوضع ضوابط واضحة تحكم استخدامه وتمنع تحوّله إلى مصدر للفوضى، وفي حال نجحت التقنية الجديدة في أداء مهمتها، فإن تجربة دنفر قد تصبح نموذجًا عالميًا لكيفية «احتواء الاسكوتر» بدلًا من مواجهته أو إقصائه من الشوارع تمامًا.

تم نسخ الرابط