موعد الوقوف بعرفة وأهم أعمال الحجاج فيه.. أعمال عظيمة وأخطاء احذر منها

الحجاج يستعدون لاستقبال أعظم أيام الحج وهو «يوم عرفة» ذلك اليوم الذي يمثل أحد أهم أركان الحج التي لا يصح حج أحد دون أدائها كما أن هذه اللحظة العظيمة التي يقف فيها الحجاج بجبل الرحمة تمثل ذروة الرحلة الروحية التي ينشدها المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها، حيث تتجلى في هذا اليوم مشاعر الخضوع والخشوع والانكسار لله سبحانه وتعالى، ويبدأ «الوقوف بعرفة» في يوم التاسع من ذي الحجة وهو الموعد الذي تترقبه قلوب الحجاج في كل موسم.
وقت الوقوف بعرفة وأهميته في ركن الحج
يبدأ وقت «الوقوف بعرفة» من فجر يوم التاسع من ذي الحجة ويمتد حتى طلوع فجر يوم النحر وهو اليوم العاشر من ذي الحجة ويسمى بيوم العيد، وأجمع العلماء على أن هذا الوقوف هو الركن الأعظم للحج فلا يتم الركن إلا به ومن فاته الوقوف فاته الحج بالكامل، ولذا فإن الحجاج يحرصون كل الحرص على الوجود داخل حدود عرفة خلال هذا الوقت الشرعي سواء كان جزءًا من النهار أو الليل.
وقد أوضح الشيخ «علي فخر» أمين الفتوى بدار الإفتاء أن وقت الوقوف بعرفة الصحيح يبدأ من بعد زوال شمس يوم التاسع أي بعد أذان الظهر، وهو الوقت الذي يجتمع فيه الحجاج عند مسجد نمرة لأداء صلاتي الظهر والعصر جمع تقديم بأذان واحد وإقامتين، ثم يتوجه الحجاج للوقوف بعرفة للدعاء والتضرع حتى غروب الشمس.
من وقف لحظة واحدة فله حج صحيح
أضاف الشيخ فخر أن من جمع في وقوفه بين الليل والنهار فقد تم حجه، أما من وقف في جزء من الليل فقط أو جزء من النهار فقط فقد اختلف فيه العلماء، فالجمهور يرون أن من أدرك الوقوف بعرفة في جزء من الليل بعد غروب الشمس فقد أدرك الحج، بينما ذهب المالكية إلى اشتراط إدراك جزء من الليل حتى يصح الركن.
ويؤكد فخر أن من حصل له الوقوف في أي لحظة من الزمن المحدد ولو دقيقة فقد أدرك الوقوف الشرعي وبالتالي فإن حجه صحيح، وهذا التيسير من رحمة الله تعالى بالحجاج، حيث ورد حديث عن النبي ﷺ قال فيه: «من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلًا أو نهارًا فقد تم حجه وقضى تفثه».
الوقوف قبل الزوال وأثره على صحة الحج
أما من يقف بعرفة قبل زوال شمس يوم التاسع من ذي الحجة ويغادرها قبل الظهر فقد اختلف العلماء في صحة حجه، فذهب جمهور الفقهاء إلى أن الوقوف قبل الزوال غير مجزئ، وهو ما يعني أن الحاج الذي غادر عرفة قبل هذا الوقت فقد فاته الحج، إلا أن الحنابلة خالفوا هذا الرأي وقالوا بجواز الوقوف بعد الفجر وقبل الزوال ولكنه يوجب على الحاج دمًا لتركه الوقوف في وقته الأكمل.
الانصراف من عرفة قبل غروب الشمس.. من سنن الجاهلية
من أبرز الأخطاء التي يقع فيها الحجاج كما يحذر العلماء هو الانصراف من عرفة قبل غروب الشمس، وهذا الفعل يعد مخالفًا لسنة النبي ﷺ الذي بقي في عرفة حتى غربت الشمس تمامًا ثم انصرف منها إلى مزدلفة، والانصراف قبل الغروب كان من أفعال أهل الجاهلية التي نهى عنها الإسلام، لذا على الحجاج الحذر من التهاون في هذا الأمر لأنه يُعرّضهم للدم وقد يُفسد حجهم إن لم يراعوا الوقوف في الوقت المحدد.
الوقوف في غير حدود عرفة.. خطأ قد يُفقد الحاج حجه
هناك أيضًا من الحجاج من ينزل في أماكن خارج حدود عرفة ويظن أنه داخلها ويمكث في خيمته حتى تغرب الشمس ثم ينصرف منها إلى مزدلفة دون أن يطأ حدود عرفة الحقيقية، وهذا من أعظم الأخطاء التي قد تُفقد الحاج حجه بالكامل، فقد قال رسول الله ﷺ: «الحج عرفة»، وهذا يعني أن من لم يدرك الوقوف في عرفة في وقت الوقوف فلا حج له، وبعض الناس يغتر ببعض الحجاج فينزل معهم دون التأكد من العلامات الفاصلة لعرفة.
فتاوى حول الوقوف بعرفة حال المرض أو النوم
وعن حكم الوقوف في عرفة للمريض أو النائم فقد أفتى «مجمع البحوث الإسلامية» بجواز وقوف النائم أو المريض في عرفة، حيث ذهب الحنفية إلى صحة الوقوف في أي هيئة كانت سواء قائمًا أو نائمًا أو حتى مغمى عليه، بينما خالفهم الجمهور فاشترطوا الوعي أثناء الوقوف لأنه عبادة يشترط فيها النية، إلا أن الرأي الراجح ما ذهب إليه الحنفية بأن وجود الحاج في حدود عرفة في الوقت المحدد كافٍ لإدراك الركن.
السنة في الوقوف واستقبال القبلة لا الجبل
ومن أبرز المخالفات المنتشرة بين الحجاج هو استقبالهم جبل الرحمة أثناء الدعاء بدلًا من استقبال القبلة، وهو أمر مخالف لهدي النبي ﷺ الذي كان يستقبل القبلة وقت الدعاء، كما أن بعض الحجاج يحرصون على صعود جبل الرحمة في عرفة رغم أن النبي ﷺ لم يفعله ولم يأمر به بل قال: «وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف»، لذا فإن السنة هي الوقوف في أي مكان داخل حدود عرفة دون الحاجة إلى صعود الجبل والتزاحم عليه.
دعوة للمراجعة والتفقه في مناسك الوقوف
في ضوء هذه الأحكام والفتاوى الشرعية يتضح مدى أهمية أن يراجع الحجاج مناسكهم بدقة وأن يتفقهوا في أحكام الوقوف بعرفة تجنبًا للوقوع في الأخطاء التي قد تُفسد ركنًا كاملًا من أركان الحج، وأن يعلم الحجاج أن «الوقوف بعرفة» ليس مجرد لحظة تجمع بل هو شعيرة عظيمة تُظهر فيها القلوب ما أخفته من الرجاء والخشية والإنابة إلى الله.
خلاصة القول.. «الحجاج» لا حج لهم دون عرفة
لا شك أن الوقوف بعرفة هو ذروة سنام الحج وهو الركن الأعظم الذي لا يتم الحج إلا به، وأن «الحجاج» مدعوون إلى استشعار عظمة هذا اليوم والحرص الشديد على عدم تفويت أي لحظة فيه، ومن ضيّع الوقوف بعرفة فقد ضيّع حجه، لذا فعلى «الحجاج» أن يتحروا الحدود الزمانية والمكانية لهذا الركن كما ورد عن النبي ﷺ وعن فقهاء الأمة، فإن «الحجاج» الذين يتهاونون في تفاصيل هذا الوقوف قد يفقدون ثمرة أعمارهم وغاية سفرهم، فليكن يوم عرفة موعدًا حقيقيًا للمغفرة والرجاء والقبول لدى الله عز وجل.
وبذلك يكون «الحجاج» قد أدركوا لبّ المناسك وحققوا الركن الأعظم وتهيأوا ليوم النحر في نفوس طاهرة وقلوب خاشعة، فكل لحظة يقف فيها «الحجاج» بعرفة هي كنز ثمين في ميزان أعمالهم في الدنيا والآخرة.