الخميس 26 يونيو 2025 الموافق 01 محرم 1447
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
عاجل

تغيير كسوة الكعبة 1447 هـ.. شعائر تتجدد كل عام وتحمل عبق التاريخ

الكعبة المشرفة
الكعبة المشرفة

الكعبة المشرفة شهدت اليوم مراسم «تغيير الكسوة» في مشهد مهيب تتجدد فيه «الروحانية» وتعود فيه الذاكرة الإسلامية إلى أعمق جذورها حيث تُعد هذه المناسبة من أقدم التقاليد الإسلامية التي تتكرر كل عام هجري تحديدًا في الأول من شهر المحرم وقد تم تنفيذ تغيير كسوة الكعبة لهذا العام على يد 159 من «أمهر الصناع والفنيين» الذين سخروا مهاراتهم في خدمة «بيت الله الحرام» وكسائه بأفضل أنواع القماش والنسيج.

جذور تاريخية لكسوة الكعبة

تبدأ قصة «كسوة الكعبة» منذ العصور القديمة فقد كان «عدنان» الجد الأعلى للنبي محمد صلى الله عليه وسلم أول من كسا الكعبة جزئيًا مستخدمًا «برودًا يمانية» وأوصالًا من الثياب بينما يعتبر الملك تُبّع اليماني أول من كسا الكعبة كسوة كاملة كما وضع لها بابًا وحدد لها مفتاحًا فكان بذلك أول من أسس هذا التقليد بشكل مكتمل وتتابع من بعده ملوك حمير على كسوتها مستخدمين القماش والجلود.

أول امرأة تشارك في كسوة الكعبة

دخلت المرأة أيضًا في هذا التقليد العظيم إذ كانت «نتيلة بنت جناب» زوجة عبد المطلب وأم الصحابي الجليل العباس بن عبد المطلب أول امرأة تكسو الكعبة حيث قدمت القماش الفاخر ضمن سياق من الإيمان والكرم وكانت تلك المبادرة النسائية بمثابة تجسيد لمشاركة المرأة في رعاية الشعائر الدينية وإظهار التقدير لقدسية المكان.

كسوة الكعبة في العهد النبوي الشريف

في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد فتح مكة لم يرغب الرسول في إزالة الكسوة التي وضعتها قريش احترامًا لمكانتها حتى اشتعلت فيها شرارة بسبب قيام إحدى النساء بتبخيرها فتم استبدالها بـ«برود يمانية» جديدة بيضاء وحمراء وكانت تلك أول كسوة للكعبة في عهد الإسلام وقد حرص النبي الكريم على استمرار هذا التقليد بنقائه الرمزي.

خلفاء الرسول وتجديد الكسوة

استمر الخلفاء الراشدون من بعد النبي في كسوة الكعبة باهتمام بالغ فقد كساها أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب بثياب «القباطي» الرقيقة الفاخرة التي كانت تُحاك في مصر بدقة متناهية أما الخليفة عثمان بن عفان فقد كان أول من وضع كسوتين فوق بعضهما الأولى من البرود والثانية من القباطي وكان هذا التنوع دلالة على التكريم البالغ للكعبة المشرفة وتعظيم شأنها في قلوب المسلمين.

تطور لون الكسوة على مر العصور

الكسوة لم تكتف بتطور الخامات وإنما تغير لونها كذلك على مدار القرون حيث اشتكى المسلمون في عهد الخليفة العباسي «المتوكل» من بهتان الكسوة بسبب التمسح المتكرر بها فأمر بصناعة كسوتين كل شهرين ثم جاء الخليفة «الناصر العباسي» ليكسوها باللون الأخضر وبعده استقرت الكسوة على اللون الأسود الذي أصبح معتمدًا إلى اليوم لما فيه من «هيبة وجلال».

الدور المصري في صناعة كسوة الكعبة

من أهم مراحل تاريخ الكعبة وكسوتها ما كان في العهد العباسي عندما أوكلت مهمة صناعتها إلى مدينة «تنيس» المصرية المعروفة آنذاك بمهارة نُساجيها وظلت الكسوة المصرية تزين الكعبة لمدة ستمائة عام تقريبًا وكانت تُنقل عبر «المحمل المصري» الذي ينطلق من بركة الحاج فيما يعرف اليوم بمنطقة المرج في القاهرة.

وكان المحمل المصري مناسبة كبرى تُقام لها الاحتفالات وتتلى فيها المدائح النبوية والقرآن الكريم وتسير الجمال والخيل والجنود والوزراء في موكب مهيب يحمل كسوة الكعبة حتى تصل إلى مكة المكرمة قبيل موسم الحج وكانت تسع قرى مصرية موقوفة لصناعة الكسوة في عهد السلطان سليمان القانوني مما يعكس مدى الأهمية التي أولتها الدولة العثمانية لهذا الشرف العظيم.

الحكم الشرعي في الاحتفاظ بكسوة الكعبة

وقد تساءل كثيرون عن مشروعية أخذ أجزاء من الكسوة القديمة للكعبة فتوضح الجهات الدينية أنه لا بأس بالاحتفاظ بقطعة من الكسوة بعد أن يتم استبدالها وذلك من باب التبرك والذكرى الحسنة أما نزع جزء من الكسوة وهي ما تزال على الكعبة فهو عمل مرفوض شرعًا لأنه يدخل في باب «الإتلاف والتخريب» الذي نهى عنه الإسلام.

الكسوة الحديثة بين الإتقان والرمزية

الكسوة الحالية للكعبة يتم تصنيعها اليوم في مصنع خاص بمكة المكرمة تحت إشراف الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي حيث يُستخدم الحرير الطبيعي المنسوج بخيوط مذهبة وتحاك الآيات القرآنية بخطوط فنية دقيقة تعكس «عظمة وقدسية» هذا المكان وتتم مراسم التبديل مع بداية كل عام هجري بعد صلاة الفجر مباشرة في أجواء روحانية مميزة تعكس عمق الارتباط بين المسلمين حول العالم وبين «الكعبة المشرفة».

وتُعد مراسم تغيير كسوة الكعبة من أبرز الأحداث السنوية التي تحظى بمتابعة الملايين لما لها من دلالات دينية وتاريخية فهي ليست مجرد إجراء شكلي بل طقس رمزي يحمل في خيوطه رسائل «الصفاء والتجديد» وروح العبودية التي تتجدد مع كل مطلع عام هجري جديد.

تم نسخ الرابط