حكم دفع الزكاة «لكفالة طفل» في دار الأيتام

الزكاة هي أحد أهم أركان الإسلام التي تحقق التكافل والتراحم بين أفراد المجتمع، فهي ليست مجرد عبادة مالية بل وسيلة لنشر العدالة الاجتماعية وتخفيف معاناة المحتاجين، ومن أكثر الأسئلة التي يكثر طرحها من الناس هو حكم دفع «الزكاة» لدار الأيتام من أجل كفالة طفل، وهل يجوز شرعاً أن تكون كفالة اليتيم من مال الزكاة أم يجب أن تكون من الصدقة التطوعية فقط، وقد أجابت «دار الإفتاء المصرية» على هذا السؤال موضحة الحكم الشرعي بالتفصيل.
دار الإفتاء توضح حكم دفع الزكاة لدار الأيتام
أوضحت دار الإفتاء المصرية أن اليتيم الذي لا يملك ما يفي باحتياجاته يعد من «مصارف الزكاة» الشرعية، ويجوز دفع الزكاة له إذا كان بالغاً عاقلاً رشيداً، أما إذا كان صغيراً أو غير قادر على إدارة شؤونه فيجوز دفع الزكاة لكافله أو لمن يتولى رعايته داخل دار الأيتام، بحيث تُستخدم أموال الزكاة في تلبية حاجاته الأساسية من طعام وشراب وملبس وعلاج وتعليم، وأشارت الدار إلى أن القائمين على دور الأيتام والعاملين فيها يُعدّون في حكم ولي اليتيم من جهة الرعاية والعناية، لذلك فإن تخصيص مبلغ من أموال الزكاة لدعم هذه الدور أو لكفالة طفل منها جائز شرعاً بشرط أن تكون النية عند إخراج المال هي «الزكاة» وليس الصدقة العامة.
الزكاة تشمل رعاية الأيتام والفقراء
بيّنت دار الإفتاء أن الله تعالى حدد مصارف الزكاة في قوله الكريم «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»، ومن هذا المنطلق فإن الأيتام الذين لا يجدون من يعولهم يندرجون ضمن الفقراء والمساكين الذين تجب لهم الزكاة، وبالتالي لا مانع من تخصيص جزء من مال الزكاة لكفالة الأيتام وسد احتياجاتهم الأساسية، لأن ذلك يدخل في إطار تحقيق المقاصد السامية للزكاة وهي «سد حاجة المحتاجين وحماية الضعفاء».
رأي العلماء في كفالة اليتيم من أموال الزكاة
أكد الشيخ محمد عبد السميع أمين الفتوى بدار الإفتاء أن كفالة اليتيم من مصارف الزكاة الشرعية، لأن اليتيم إذا كان فقيراً فهو أحق بأن يُصرف له من أموال الزكاة لتلبية حاجاته، وأضاف أن الإنفاق على اليتيم يدخل في «سبيل الله» وفي «الإنفاق على الفقراء»، وأن رعاية الأيتام تعد من أعظم أبواب الأجر والثواب، ومع ذلك أوضح أن الأفضل لمن استطاع هو أن يكفل اليتيم من ماله الخاص، حتى تُوجه الزكاة إلى فقراء آخرين لا يجدون من يساعدهم، مشيراً إلى أن كفالة اليتيم تُعد صدقة جارية وثوابها مستمر بإذن الله.
فضل كفالة اليتيم في الإسلام
كفالة اليتيم من أعظم الأعمال التي دعا إليها الإسلام، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة»، مشيراً إلى قرب منزلتهما، مما يدل على عِظم الأجر الذي يناله من يرعى اليتيم ويكفله، وهذه الكفالة ليست فقط في المال بل تشمل التربية والتعليم والرعاية النفسية والاجتماعية، ويُعتبر الإنفاق على الأيتام من مقاصد الزكاة لما فيه من حفظ للكرامة الإنسانية وتحقيق للتوازن المجتمعي، فكل ما يُبذل في سبيل تربية اليتيم وتعليمه وإعداده لحياة كريمة يدخل ضمن أعمال الخير التي يباركها الله.
شروط كفالة اليتيم من مال الزكاة
حددت دار الإفتاء المصرية عدة شروط يجب توافرها حتى تكون كفالة اليتيم من مال الزكاة صحيحة شرعاً، أهمها أن يكون الإنفاق مخصصاً للحاجات الضرورية من مأكل وملبس ومسكن وعلاج، وأن تُصرف أموال الزكاة تحت إشراف موثوق يضمن وصولها إلى مستحقيها، كما يجب أن تكون «النية واضحة» عند إخراج المال بأنه زكاة وليس تبرعاً، لأن الزكاة عبادة تحتاج إلى نية، كما أكدت الدار أن العدالة والإحسان من أهم صفات الكافل أو الجهة التي تتولى رعاية الأيتام، وأن الظلم أو الإهمال في حق اليتيم يتنافى مع مقاصد الشريعة.
اليتيم في الإسلام ورعاية المجتمع له
ذكرت دار الإفتاء أن اليتيم هو من فقد والده في صغره ويظل يُعد يتيماً حتى يبلغ سن الرشد ويصبح قادراً على إعالة نفسه، أما إذا بلغ وكان عاجزاً أو سفيهاً أو مريضاً فإنه يستمر في الحاجة إلى الرعاية، لذلك فإن المجتمع بأسره مسؤول عن حماية هذه الفئة الضعيفة، وقد أمر الإسلام بالإحسان إليهم فقال تعالى «فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ»، وجعل كفالتهم سبباً في البركة والرحمة، ومن هنا تأتي أهمية الزكاة كأداة لتأمين حياة كريمة لهم، فهي تجسد قيم التكافل والتعاون بين أبناء المجتمع.
الزكاة وسيلة لتحقيق التكافل المجتمعي
إن الزكاة ليست مجرد إخراج للمال، بل هي نظام اجتماعي متكامل يهدف إلى تحقيق التوازن بين الفقراء والأغنياء، ومن خلال تخصيص جزء منها للأيتام تتحقق العدالة الاجتماعية ويُغلق باب الحاجة أمام الضعفاء، كما أن إنفاق الزكاة في كفالة الأيتام يثمر أجيالاً صالحة قادرة على بناء المجتمع، فهي تضمن لهم التعليم والرعاية وتمنع عنهم الضياع والانحراف، لذلك فإن كفالة اليتيم من مال الزكاة تعد استثماراً في المستقبل قبل أن تكون عملاً خيرياً.
رسالة الإسلام في العناية بالأيتام
تؤكد دار الإفتاء المصرية أن تعاليم الإسلام تقوم على الرحمة والرأفة، وأن رعاية اليتيم ليست مجرد واجب فردي بل مسؤولية جماعية، فكل فرد في المجتمع يجب أن يساهم في تخفيف معاناتهم، سواء بالمال أو بالرعاية أو بالتعليم، لأن الزكاة جاءت لتحقيق هذا الغرض النبيل، وهي وسيلة لحفظ المجتمع من التفكك ولزرع روح الأخوة والتكافل، ومن هنا فإن إخراج الزكاة لصالح الأيتام أو دور رعايتهم هو من أعظم صور القربات إلى الله.