من الهواء إلى الدم: كيف يتسلل البلاستيك خفيةً إلى أعماق أجسامنا؟
يدق عدد كبير من المتخصصين ناقوس الخطر بشأن آثار المواد البلاستيكية الدقيقة التي عُثر عليها في كل أعضاء جسم الإنسان تقريبا بدءا من الرئتين وصولا إلى الكلى ومرورا بالدم، في حين أنّ العلماء ليسوا على يقين حتى اليوم بشأن تأثيرها على الصحة.
رُصدت جزيئات بلاستيكية دقيقة (أقل من 5 ميليمترات) في الهواء والماء والمواد الغذائية والأغلفة والمنسوجات الاصطناعية والإطارات ومستحضرات التجميل، ويوميا يبتلع البشر هذه المواد أو يستنشقونها أو يحتكون بها، فما قصة هذه الجزيئات الصغيرة؟ وكيف يمكن أن تؤثر على صحتنا؟
مصادر البلاستيك في الهواء والغذاء
الميكروبلاستيك يُنتج عبر العديد من المصادر، منها تآكل الإطارات، وتفتت المخلفات البلاستيكية، وصناعة النسيج، ينتقل جزء كبير من هذه الجزيئات إلى الهواء الذي نتنفسه، ويزداد تركيزها في المدن والمناطق الصناعية، إلى جانب ذلك، تظهر الميكروبلاستيك في الغذاء، وخصوصًا في المأكولات البحرية والملح، كما يمكن أن تكون موجودة في زجاجات المياه البلاستيكية وأدوات الطعام المستخدمة يوميًا.
كيفية دخول البلاستيك إلى أجسامنا
عندما نستنشقه، يمكن أن تترسب جزيئات البلاستيك الصغيرة في الرئتين وتجد طريقها إلى الدورة الدموية. تشير بعض الدراسات إلى أن هذه الجزيئات قد تكون قادرة على اختراق الأغشية الخلوية، مما يسمح لها بالوصول إلى الأعضاء الحيوية الأخرى مثل الكبد والكلى.
أما عند تناول الطعام أو الماء الملوث بالبلاستيك، فإن الميكروبلاستيك قد يمر عبر جدران الأمعاء ويدخل في الدم، مما يعني إمكانية وصوله إلى أجزاء مختلفة من الجسم.
غير معروفة وخطرة
وفي حديث إلى وكالة "فرانس برس"، تقول البروفيسور تريسي وودروف من "جامعة كاليفورنيا"، إنّ "الأبحاث المتعلقة بالجسيمات البلاستيكية الدقيقة تتزايد وتتوصل إلى آثار صحية مقلقة جدا"، مضيفة إلى أن "تحليلا تلويا حديثا لألفي دراسة على حيوانات أُجري مع مجموعة من الزملاء، بيّن أن الجسيمات البلاستيكية الدقيقة تؤثر على الخصوبة، وترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان وتضر بالجهاز التنفسي".
وترى وودروف، التي ترأس برنامج الصحة الإنجابية والبيئية، أنّ هذه البيانات، بالإضافة إلى "العثور على مواد بلاستيكية دقيقة في أعضاء كثيرة من الجسم بينها الدماغ وحتى الجنين عبر المشيمة"، تشكل "مؤشر إنذار".
ولم يتم حتى اليوم إيجاد صلة سببية مع تعرض الإنسان لهذا المزيج المعقد من البوليمرات والمواد المضافة الكيمياوية، تُضاف إليها ملوثات مثل البكتيريا وحتى الفيروسات.
وغالبا ما أُجريت الدراسات المقلقة داخل مختبرات، وأحيانا على خلايا بشرية أو نماذج حيوانية.
لكنّ الأبحاث التي أجريت على حيوانات وتمت مراجعتها تتعلق بـ"أنظمة بيولوجية مشابهة جدا لتلك الخاصة بالبشر"، و"يتم منذ عقود استخدام بيانات حيوانية لتحديد المواد المسببة للسرطان أو المواد السامة المؤثرة على الجهاز التناسلي"، على قول وودروف.
تأثيرات الميكروبلاستيك على الصحة
حتى الآن، لم يتم التأكد بشكل قاطع من تأثير الميكروبلاستيك على صحة الإنسان، لكن الدراسات تشير إلى عدة احتمالات، فقد يؤدي تراكم الميكروبلاستيك في الجسم إلى حدوث التهابات مزمنة أو تفاعلات مناعية غير مرغوب فيها، بالإضافة إلى ذلك، قد تكون هذه الجزيئات وسيلة لنقل المواد الكيميائية السامة مثل الفثالات والبيسفينول A، والتي ترتبط باضطرابات هرمونية وأضرار في الجهاز العصبي.
التحديات البحثية والفجوات المعرفية
نظرًا لصغر حجم هذه الجزيئات، يواجه العلماء تحديات كبيرة في اكتشاف أماكن تراكمها في الجسم وتحديد التأثيرات طويلة المدى، يتطلب الأمر تقنيات دقيقة لرصد حركة الميكروبلاستيك في الجسم وفهم الآليات التي تمكنه من تجاوز الدفاعات البيولوجية.
هل يمكن الحد من تعرضنا للبلاستيك؟
هناك عدة خطوات يمكن اتخاذها للحد من التعرض لجزيئات البلاستيك الدقيقة، يُنصح بتجنب استخدام البلاستيك أحادي الاستخدام، واختيار أوعية زجاجية أو معدنية للطعام والشراب، كما يمكن الحد من تناول الأطعمة المعلبة والبلاستيكية قدر الإمكان، بالإضافة إلى المساهمة في الحد من التلوث البلاستيكي بالبيئة.
بينما لا يزال تأثير الميكروبلاستيك على صحتنا غير واضح تمامًا، تتزايد الأدلة على وجوده في أجزاء مختلفة من أجسامنا، مما يستدعي المزيد من الأبحاث لتحديد مخاطره الحقيقية، حتى ذلك الحين، من الأفضل أن نسعى للحد من تعرضنا له، فالوقاية تبقى الخيار الأكثر حكمة في مواجهة هذا التحدي الصحي البيئي.