لماذا يجب أن نحرص على بر الأم وحسن معاملتها؟ دار الإفتاء توضح
في إطار الإجابة على تساؤلات تهمّ ملايين المسلمين حول العالم، ورد إلى دار الإفتاء المصرية سؤالٌ في غاية الأهمية، يتعلق بالحديث النبوي الشريف الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والذي يشير فيه إلى تقديم حقّ الأم في البرّ على حقّ الأب، جاء السؤال ليبحث عن سبب هذا التفضيل، وأثره على السلوك الاجتماعي والشرعي في الحياة اليومية، وهو حديثٌ يتردد في الأذهان، ويُعدّ أحد المبادئ الكبرى في التربية الإسلامية والعلاقات الأسرية، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المعروف: “أحق الناس بحسن صحابتي؟”، فكان الجواب: “أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أباك”.
تعدّ هذه الإجابة من النبي الكريم تأكيدًا على مكانة الأم في الإسلام، وتبرز لها الفضل الكبير في حياة المسلم، إذ يتجلى هذا الفضل في التفضيل المتكرر للأم على الأب، وهو ما يعكس عناية الإسلام بالأسرة وتقدير دور الأم في تربية الأبناء ورعايتهم، وقد جاءت دار الإفتاء المصرية لتوضّح في بيان مفصّل السبب الذي دفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن يُقدّم حقّ الأم على الأب، مشيرة إلى العوامل التي تميز الأم عن الأب، والتي تجعلها تستحق هذه المكانة السامية.
يعود هذا التفضيل إلى ما تنفرد به الأم من مشقة وأعباء في مراحل الحمل والوضع والرضاعة، فالأم هي التي تحمل طفلها في بطنها، وهي التي تعاني من صعوبة الحمل وألم الوضع، وتتحمل عناء الرضاعة والتربية لفترة طويلة، وهي مسؤولية شاقة تتطلب منها التضحية الكبيرة على مختلف الأصعدة، على عكس الأب الذي قد يتدخل في جوانب التربية والرعاية ولكن دون أن يعاني نفس المعاناة التي تتعرض لها الأم.
دار الإفتاء توضح سبب تقديم برّ الأم على الأب
وتطرقت دار الإفتاء إلى قول شيخ الإسلام النووي في “المنهاج شرح صحيح مسلم” حيث أشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قدّم الأم في البرّ على الأب بسبب هذه المشقة التي تتحملها الأم في مختلف مراحل العناية بالطفل، كما بيّن شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني في “فتح الباري شرح صحيح البخاري” أن ذلك يبيّن أن للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البرّ، مشيرًا إلى صعوبة الحمل والوضع والرضاع، وهي أعباءً تميزها عن الأب.
وقد استشهدت دار الإفتاء المصرية بالآية الكريمة التي جاءت في سورة لقمان: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾ [لقمان: 14]، التي تُظهر كيف أن الله سبحانه وتعالى خصّ الأم بعبء الحمل والرضاع، وأوصى بها بشكل خاص إلى جانب الأب، مما يعزز من فكرة تقديم الأم في البرّ، وقد وقع هذا التفضيل على الأم ليس فقط بسبب الأعباء البدنية، بل أيضًا لما تحمله من مشاعر الشفقة والرأفة تجاه أبنائها، وهذه المشاعر هي التي تحفزها للاستمرار في أداء مسؤولياتها حتى في أحلك الظروف.
إجمالًا، يتجلى في هذا الحديث النبوي الشرف العظيم الذي يُعطى للأم في الإسلام، فهو دعوة صريحة لكل مسلمٍ أن يُولي أمه من الاهتمام والرعاية ما يفوق أي علاقة أخرى، ولا شك أن هذا الفهم ينعكس على سلوك المسلم في حياته اليومية، ويعزز من مفهوم البرّ والصلة الطيبة بين أفراد الأسر،فهو يُعدّ أحد المبادئ الكبرى في التربية الإسلامية والعلاقات الأسرية، ومن هنا يأتي هذا الحديث ليكون دستورًا عمليًا للحياة الأسرية، يعكس كيف أن الإسلام يقدّر ويحترم الدور الفريد الذي تلعبه الأم في حياة أبنائها، ويشجّع على الإحسان إليها والاعتراف بتضحياتها.