انخفاض السكر المفاجئ.. متى يكون عرضيًا ومتى يستدعي القلق؟

يُعد تنظيم مستويات السكر في الدم من العوامل الحيوية التي يعتمد عليها الجسم للحفاظ على توازنه واستقراره، ورغم أن ارتفاع السكر يحظى باهتمام واسع نظرًا لعلاقته المباشرة بمرض السكري ومضاعفاته، إلا أن انخفاضه المفاجئ لا يقل خطورة بل قد يكون أكثر تهديدًا في بعض الحالات، وقد يُصيب الأصحاء ومرضى السكري على حد سواء، فما الذي يجعل انخفاض السكر حالة عرضية عابرة، ومتى يتحول إلى ناقوس خطر يستدعي التدخل العاجل؟.
ما هو انخفاض السكر في الدم؟
يحدث انخفاض السكر في الدم عندما تقل نسبة الجلوكوز في الجسم عن المعدل الطبيعي، وهو عادة ما يكون أقل من 70 ملغ/ديسيلتر، ويعد الجلوكوز المصدر الرئيسي للطاقة في الجسم وخاصة للدماغ، وبالتالي فإن انخفاضه بشكل مفاجئ قد يؤدي إلى أعراض جسدية وعقلية تتفاوت في حدتها، تبدأ من الشعور بالدوخة وتنتهي في بعض الحالات بفقدان الوعي أو الغيبوبة.
الأسباب الشائعة لانخفاض السكر المفاجئ
تختلف أسباب انخفاض السكر المفاجئ باختلاف الحالة الصحية للفرد، ففي حالات مرضى السكري، يكون السبب غالبًا هو تناول جرعة زائدة من الإنسولين أو أدوية خفض السكر، أو تخطي وجبة طعام بعد تناول الدواء، أو القيام بمجهود بدني مكثف دون تعديل جرعة العلاج.
أما لدى الأشخاص غير المصابين بالسكري، فقد يكون انخفاض السكر مرتبطًا بعدة عوامل منها الصيام الطويل أو اضطرابات في إفراز الإنسولين أو مشاكل في الغدد الصماء مثل الغدة الكظرية أو البنكرياس، كما أن بعض أنواع الأدوية قد تُسبب هذا الانخفاض حتى وإن لم تكن مخصصة لعلاج السكري، مثل بعض مضادات الملاريا أو المضادات الحيوية أو أدوية القلب.
الأعراض.. مؤشرات لا يجب تجاهلها
تتفاوت أعراض انخفاض السكر حسب مستوى الانخفاض وسرعة حدوثه، وتبدأ الأعراض عادة بأحاسيس تحذيرية يرسلها الجسم مثل الشعور بالجوع المفاجئ أو التعرق الزائد أو الارتجاف، ثم تتطور إلى أعراض أكثر حدة مثل تشوش الرؤية وتسارع ضربات القلب والدوخة، وإذا استمر الانخفاض دون تدخل فقد يؤدي إلى تشنجات أو فقدان وعي أو حتى الدخول في غيبوبة سكرية.
من المهم الإشارة إلى أن بعض الأشخاص خاصة من مرضى السكري ممن يتعرضون لانخفاضات متكررة قد لا يشعرون بالأعراض التحذيرية وهو ما يُعرف بفقدان الإحساس بانخفاض السكر، وتُعد هذه الحالة من أخطر أشكال الهبوط التي تستدعي متابعة طبية دقيقة.
متى يكون عرضيًا ومتى يستدعي القلق؟
انخفاض السكر قد يكون عرضيًا في حال كان مرتبطًا بحدث عابر مثل تأخر وجبة أو مجهود بدني زائد وتمت معالجته فورًا دون مضاعفات، أما إذا تكرر الانخفاض أو حدث دون سبب واضح أو صاحبه فقدان وعي أو أعراض عصبية متقدمة، فهو يعتبر مؤشر خطر ويجب عدم تجاهله.
عند تكرار حالات الهبوط ولو بشكل خفيف، يُوصى بمراجعة الطبيب لإعادة تقييم الجرعات الدوائية أو النظام الغذائي أو إجراء فحوصات الغدد والهرمونات، كما ينبغي إجراء تحاليل دورية لمستوى السكر في الدم ومراقبة المؤشرات الحيوية خاصة عند الأطفال وكبار السن.
طرق التعامل السريع مع انخفاض السكر
عند الشعور بأعراض انخفاض السكر، يجب تناول مصدر سريع للجلوكوز مثل عصير فواكه أو قطعة حلوى أو قرص جلوكوز فوري، ويُنصح بأن يحتوي على ما يقارب 15 جرامًا من الكربوهيدرات السريعة الامتصاص، وبعد مرور 15 دقيقة، يُعاد فحص مستوى السكر، وإذا لم يتحسن يتم تناول كمية إضافية، وبعد الاستقرار يُفضل تناول وجبة خفيفة لضمان عدم تكرار الانخفاض.
في حال كان الشخص فاقدًا للوعي، لا يجب إعطاؤه أي شيء عن طريق الفم، بل يجب طلب الإسعاف فورًا أو استخدام حقنة الجلوكاجون التي توصف لمرضى السكري وتُعطى في حالات الطوارئ لاستعادة مستوى السكر بسرعة.
الوقاية.. أفضل من العلاج
للوقاية من انخفاض السكر، من المهم الالتزام بجدول وجبات منتظم وعدم تأخيرها خاصة عند تناول أدوية خافضة للسكر، كما ينبغي ممارسة النشاط البدني تحت إشراف طبي وعدم زيادة التمارين فجأة دون تعديل الغذاء أو العلاج، ويُنصح دائمًا بحمل وجبة خفيفة أو حلوى في الحقيبة خصوصًا لدى مرضى السكري أو من يعانون من انخفاضات متكررة.
كما أن استخدام جهاز مراقبة السكر المستمر قد يكون مفيدًا في كشف التغيرات المفاجئة والتنبيه في الوقت المناسب، ما يُقلل من فرص حدوث مضاعفات.
الأطفال وكبار السن في دائرة الخطر
يُعد الأطفال الصغار وكبار السن من الفئات الأكثر عرضة لخطر انخفاض السكر، فالأطفال غالبًا لا يستطيعون التعبير عن أعراضهم بوضوح، كما أن كبار السن قد يعانون من مشكلات في الإحساس أو إدراك الأعراض، لذا يجب على الأهالي ومقدمي الرعاية الصحية أن يكونوا على دراية بالأعراض الأولية ويتعاملوا معها بحذر وسرعة.
انخفاض السكر المفاجئ ليس مجرد حالة عابرة يمكن التغاضي عنها، بل هو عرض طبي قد يُخفي خلفه خللاً في التوازن الغذائي أو الدوائي أو حتى مشاكل في وظائف الجسم الحيوية، ومع تكراره دون علاج مناسب، قد يتحول إلى تهديد حقيقي للحياة، لذا فإن الوعي بالأعراض والتصرف السريع وطلب الاستشارة الطبية متى لزم الأمر يشكلون خط الدفاع الأول ضد هذا الخطر الصامت.