بعد تصدره التريند.. تحليل «الهوموسيستين» يخطف اهتمام الباحثين عن الصحة

الهوموسيستين أصبح محور «الاهتمام» الطبي والنقاش على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا وذلك بعد تصدره «التريند» وسط تساؤلات متزايدة من المتابعين حول ما إذا كان تحليل الهوموسيستين مجرد اختبار عادي أم أنه يحمل بين طياته دلالات «صحية» قد تغيّر طريقة التعامل مع الأمراض المزمنة والمفاجئة، ولم يكن هذا الاهتمام مفاجئا بالنسبة للكثير من المختصين حيث حذر عدد من الأطباء والباحثين منذ سنوات من إهمال هذا النوع من التحاليل الذي يكشف عن مؤشرات صحية دقيقة ترتبط بأمراض القلب والدماغ والشرايين بل ويصل أثره إلى الجوانب النفسية والعصبية.
ما هو الهوموسيستين ولماذا يُعد «مهماً»؟
الهوموسيستين هو حمض أميني ينتج بشكل طبيعي داخل الجسم أثناء عملية استقلاب مادة الميثيونين وهي من الأحماض الأمينية الأساسية التي يتم الحصول عليها من مصادر «البروتين» الحيواني مثل اللحوم والبيض، في الوضع الطبيعي يتم التخلص من الهوموسيستين الزائد في الجسم بفضل فيتامينات محددة أبرزها فيتامين B6 وB12 وحمض الفوليك، لكن في حال وجود نقص في هذه الفيتامينات أو وجود خلل في الإنزيمات المسؤولة عن هذه العملية فإن مستوى الهوموسيستين يرتفع في الدم وهو ما قد يشير إلى وجود مشكلات صحية تتطلب تدخلًا فوريًا.
ارتفاع الهوموسيستين.. ناقوس خطر صامت
يشير العديد من الأطباء إلى أن ارتفاع مستوى الهوموسيستين في الدم يمكن أن يكون «مؤشرًا» مبكرًا لعدد من الأمراض التي تتطور بصمت دون أن تظهر أعراض واضحة في البداية، من أبرز هذه الأمراض أمراض القلب وتصلب الشرايين حيث يُعتقد أن وجود مستويات مرتفعة من الهوموسيستين يساهم في تلف البطانة الداخلية للأوعية الدموية مما يرفع من خطر الإصابة بتجلطات الدم والسكتات القلبية والدماغية، كما رُبط ارتفاع الهوموسيستين بزيادة فرص الإصابة بالخرف و«الزهايمر» واضطرابات الذاكرة والقدرات الإدراكية.
الهوموسيستين والصحة النفسية.. علاقة غير متوقعة
من المثير للانتباه أن الدراسات الحديثة بدأت تكشف عن علاقة بين الهوموسيستين والحالة النفسية للإنسان، حيث أشارت بعض الأبحاث إلى أن المستويات المرتفعة من الهوموسيستين قد تكون مرتبطة بزيادة احتمالات الإصابة بـ«الاكتئاب» والقلق والتوتر المزمن، ويعزو الباحثون هذا الرابط إلى أن نقص فيتامينات B المركبة يؤثر على إنتاج النواقل العصبية في الدماغ مثل السيروتونين والدوبامين وهي المسؤولة عن تحسين المزاج وتنظيم المشاعر، وبالتالي فإن فحص الهوموسيستين قد يكون له دور غير مباشر في تقييم الصحة النفسية ومتابعة خطط العلاج الخاصة بها.
كيف يتم تحليل الهوموسيستين ومتى يجب إجراؤه؟
يُجرى تحليل الهوموسيستين من خلال أخذ عينة من الدم وغالبًا ما يُطلب من المريض الصيام لعدة ساعات قبل إجراء التحليل للحصول على نتائج دقيقة، ويُنصح بإجراء هذا التحليل في عدة حالات منها وجود تاريخ عائلي للإصابة بأمراض القلب أو السكتات الدماغية أو في حال وجود أعراض مثل التنميل وضعف التركيز أو حتى لدى من يعانون من «القلق» المستمر والتعب غير المبرر، كما يُنصح به للنساء الحوامل خاصة إذا كان هناك خطر على الجنين أو وجود إجهاضات متكررة حيث ثبت أن ارتفاع الهوموسيستين قد يرتبط بضعف تغذية المشيمة أو حدوث جلطات صغيرة تؤثر على سير الحمل.
طرق طبيعية للتحكم في مستويات الهوموسيستين
يمكن التحكم في مستويات الهوموسيستين والوقاية من مخاطره من خلال نمط حياة صحي يشمل التغذية المتوازنة والنشاط البدني، حيث يُنصح بتناول أطعمة غنية بفيتامين B6 مثل الحبوب الكاملة والدواجن والموز وكذلك أطعمة تحتوي على فيتامين B12 مثل اللحوم الحمراء والأسماك ومنتجات الألبان، بالإضافة إلى حمض الفوليك الموجود بكثرة في «الخضراوات الورقية» مثل السبانخ والبروكلي، كما يمكن للطبيب وصف مكملات غذائية في حال وجود نقص مؤكد في هذه الفيتامينات لضمان توازن عملية التمثيل الغذائي وتقليل مستويات الهوموسيستين.
الهوموسيستين في دائرة «البحث» العلمي المستمر
ما زال الهوموسيستين يحظى باهتمام كبير من قبل المجتمع الطبي والأكاديمي حيث تُجرى المزيد من الدراسات لفهم العلاقة الدقيقة بينه وبين العديد من الأمراض غير التقليدية مثل التوحد وبعض أنواع السرطان واضطرابات النوم والصداع النصفي، ويتوقع العلماء أن يصبح تحليل الهوموسيستين أحد التحاليل الروتينية خلال السنوات القادمة خاصة في فحوصات ما قبل الزواج أو الفحوصات السنوية الشاملة وذلك بسبب قدرته على إعطاء صورة واضحة عن التوازن البيوكيميائي داخل الجسم.
اهتمام متزايد على منصات التواصل
ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في زيادة الوعي بأهمية تحليل الهوموسيستين بعد أن شارك عدد من الأطباء والمتخصصين مقاطع مصورة تشرح مخاطره وأهمية متابعته، كما بدأت بعض الصفحات الصحية والمؤثرين في نشر تجاربهم الشخصية مع التحليل مما ساعد في كسر حاجز الغموض حول هذا المصطلح الطبي الذي لم يكن مألوفًا لدى العامة، وبات الهوموسيستين الآن كلمة مفتاحية يبحث عنها آلاف الأشخاص يوميًا على محركات البحث لمعرفة المزيد عن صحته وكيفية الوقاية من مخاطره.
تحليل بسيط قد ينقذ حياتك
يبقى تحليل الهوموسيستين واحدًا من التحاليل التي لا يجب تجاهلها خصوصًا في ظل ازدياد معدلات الأمراض المزمنة والوفيات المفاجئة، إذ إن الكشف المبكر عن اختلال مستوياته قد يسهم في الوقاية من أمراض مميتة أو تحسين نوعية حياة المريض بشكل كبير، لذلك فإن الحديث المتزايد حول الهوموسيستين ليس مجرد موجة عابرة بل هو دعوة صريحة للاهتمام بالتفاصيل الصحية الدقيقة التي تصنع فارقًا في حياتنا اليومية.