«لافتة صينية على باب العدالة».. محامٍ بحريني يربط المنامة ببكين قانونيا

الأربعاء 06/أغسطس/2025 - 07:19 م

في خطوة غير مألوفة على مستوى مكاتب المحاماة في البحرين، قرر المحامي البحريني «محمد صلاح الدين العباسي» أن تكون لافتة مكتبه مكتوبة باللغة الصينية «律师事务所»، أي «مكتب محاماة»، في مشهد أثار فضول المارة والمواطنين، وأوحى بوجود قصة مختلفة خلف تلك الحروف.

ولم يكن الأمر مجرد تميز بصري أو محاولة للفت الانتباه، بل نتيجة طبيعية لمسيرة طويلة من الشغف باللغات والثقافات، وتوجه مهني واضح نحو تعزيز العلاقات التجارية والقانونية بين مملكة البحرين وجمهورية الصين الشعبية، وربط التجار والمستثمرين في كلا البلدين بجسر من الفهم القانوني والثقافي المتبادل.

البداية من تقويم صيني قديم

يروي المحامي محمد صلاح الدين العباسي بدايته مع اللغة الصينية قائلًا:
«كانت البداية في الثمانينات من خلال تقويم صيني بسيط، ومنه بدأت أتعرف على الحروف وأبحث عن معانيها، ثم شغفي بالأنيميشن والمسلسلات الآسيوية دفعني إلى تعلم اللغة ذاتيًا، عبر الكتب والموسوعات وأصدقاء من الصين واليابان».

ويضيف: «في عام 2010 سافرت إلى الصين للمرة الأولى، وكان ذلك عاملًا محوريًا في تعزيز ارتباطي بها، وقراري بأن تكون اللغة الصينية جزءًا من مساري المهني».

من المنامة إلى بكين.. وعبر اللغات

لم تكن الصينية اللغة الأجنبية الوحيدة التي أجادها المحامي البحريني، بل يتحدث كذلك الإسبانية والبرتغالية واليابانية، إذ يرى أن «التواصل مع الثقافات الأخرى بلغاتها الأصلية» هو السبيل لبناء علاقات مهنية وإنسانية أقوى.

ويشير إلى أن حبه للرياضة واهتمامه بثقافة أمريكا اللاتينية قاده لتعلم اللغتين الإسبانية والبرتغالية، بينما قادته ولعه بالشرق إلى دراسة الصينية واليابانية.

ويؤكد العباسي أن «أبسط كلمات بلغة الآخر قادرة على فتح أبواب الثقة»، مشددًا على أن «اللغة هي جسر للمودة، لا مجرد وسيلة تفاهم».

منحة جامعية فتحت الأفق

في عام 2017، حصل المحامي محمد صلاح الدين على منحة دراسية من جامعة العلوم التطبيقية بالبحرين، الأمر الذي مكّنه من دراسة اللغة والثقافة الصينية بشكل أكاديمي منظم، وفتح أمامه المجال لتوسيع شبكته المهنية من محامين وتجّار وصنّاع في الصين.

ويقول في حديثه: «أسست مكتبي القانوني عام 2012، واخترت له اسم MSA، لأجعله ليس فقط مقرًا للاستشارات القانونية، بل منصة متخصصة في القانون التجاري الدولي، وحلقة وصل بين المستثمر البحريني والسوق الصيني، والعكس».

خدمات قانونية مزدوجة

اليوم، يقدّم مكتب العباسي استشارات قانونية متخصصة للتجار البحرينيين ممن لديهم تعاملات مع السوق الصيني أو مشاكل مع منصات التجارة الإلكترونية مثل «علي بابا» و«علي إكسبريس»، كما يقدّم تمثيلًا قانونيًا للمستثمرين الصينيين الراغبين في الدخول إلى السوق البحريني.

ويقول العباسي: «أتابع عن كثب تطورات التجارة الإلكترونية والعقود العابرة للحدود، وأسعى لتوفير الحماية القانونية اللازمة لعملائي سواء على المستوى الوقائي أو في حال حدوث نزاع».

ويضيف: «مع تزايد حجم التعاملات التجارية بين البحرين والصين، بات من الضروري وجود مختصين يفهمون الطبيعة القانونية والثقافية للطرفين».

علاقات تتجاوز الحدود

لا تقتصر شبكة علاقات المحامي العباسي على الصين فقط، بل تربطه صداقات ومصالح مهنية مع محامين وتجار من دول آسيا الوسطى مثل «أوزبكستان، وكازاخستان، وتركمانستان»، وكذلك من «البرازيل، وكولومبيا، وكندا»، ما يمنحه أفقًا دوليًا واسعًا في التعامل مع قضايا التحكيم التجاري وتسوية المنازعات.

مكتب غير تقليدي ورؤية ممتدة

ورغم أن مكتب المحامي العباسي يقع اليوم في منطقة «جو» الهادئة، إلا أن رؤيته بعيدة المدى لا تعترف بالحدود الجغرافية. فبالنسبة له، المكتب هو مجرد نقطة انطلاق لخدمات تتنقل بين الدول عبر اللغات والعقود والشراكات.

ويختتم قائلًا:
«هدفي ليس فقط تقديم استشارات قانونية، بل خلق مساحة للتفاهم المشترك بين البحرين والصين. نعيش في عالم مترابط، وأي عقد تجاري يحتاج إلى فهم عميق للقانون والثقافة والسوق».

بهذا المشروع غير المألوف، يكون المحامي البحريني محمد صلاح الدين العباسي قد خط سطورًا جديدة في قصة التقارب القانوني والتجاري بين الشرق العربي والشرق الآسيوي، واضعًا بذلك لافتة صينية على باب العدالة البحرينية.