ما حكم من أفشى سرا استؤمن عليه؟.. الإفتاء توضح الرأي الشرعي

في خطوة تعكس اهتمام «الإفتاء» المصرية بالقضايا الأخلاقية والشرعية التي تمس حياة الناس اليومية، أوضحت الدار الحكم الشرعي حول مسألة دقيقة وهي ما حكم من استؤمن على شيء ثم كشفه لغيره، حيث أثار هذا السؤال جدلًا واسعًا بين الباحثين عن الحقيقة الشرعية وبين الراغبين في معرفة ما إذا كان كشف الأسرار التي اؤتمن عليها الإنسان يعد من المحرمات الشرعية أم لا، فجاءت «الإفتاء» لتضع النقاط على الحروف وتبين ما يجب على المسلم فعله.
حكم الشرع في كشف ما استؤمن عليه
قالت «الإفتاء» إن الإسلام دين يقوم على «الأمانة» وحفظ الحقوق، وإن من أخطر صور الخيانة أن يبوح الإنسان بسر استؤمن عليه، فالأمانة عهد بين الناس والله سبحانه وتعالى، وقد أكد القرآن الكريم هذا المبدأ بقوله تعالى «وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا»، ومن هنا شددت «الإفتاء» على أن من يكشف ما استؤمن عليه يقع في دائرة الخيانة، وهو أمر ينافي تعاليم الإسلام.
استدلالات نبوية توضح الحكم
استشهدت «الإفتاء» بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، حيث قال النبي «آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان»، مشيرة إلى أن هذا الحديث الشريف يعد قاعدة كبرى تبين خطورة خيانة الأمانة، كما استدلت «الإفتاء» بحديث آخر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها»، مما يوضح أن إفشاء السر أمر عظيم يعاقب عليه الإنسان يوم القيامة.
قيمة الستر في الإسلام
أكدت «الإفتاء» أن الإسلام أمر بالستر وغض الطرف عن عثرات الناس وعدم تتبع عوراتهم، لأن الستر يساعد على التوبة والإصلاح، ففي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه»، وهنا تظهر مكانة الستر في الشريعة الإسلامية باعتباره خلقًا رفيعًا يحفظ المجتمع من التفكك ويعين الناس على تجاوز أزماتهم دون فضائح أو تشهير.
ما الواجب على من ارتكب معصية
أوضحت «الإفتاء» أن الواجب على من ارتكب معصية ألا يبوح بها لأحد، بل يستر نفسه ويستغفر الله، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم «من أصاب من هذه القاذورات شيئًا فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله»، وهذا الحديث دليل واضح على أن الإقرار بالمعصية أمام الآخرين لا يعود إلا بالضرر، بينما الستر يساعد على التوبة الصادقة، وقد نص العلماء على أن ستر المعصية واجب وأن إشاعتها حرام.
آراء الفقهاء في مسألة الستر
نقلت «الإفتاء» ما جاء في كتب الفقهاء، حيث قال العلامة المرغيناني في كتابه «الهداية» إن الستر واجب والإشاعة حرام، وأكد الشيخ عليش المالكي في «منح الجليل» أنه يجب ستر الفواحش على النفس وعلى الغير لخبر النبي «من أصاب من هذه القاذورات شيئًا فليستتر بستر الله»، كما أورد شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في «أسنى المطالب» أن من الأفضل للزاني ولكل من ارتكب معصية أن يستر على نفسه، وأكد ابن قدامة الحنبلي في «المغني» أن الشرع أمر بالستر والاستتار.
البعد الأخلاقي والاجتماعي لكشف السر
أشارت «الإفتاء» إلى أن كشف السر لا يضر صاحبه فقط، بل يفتح بابًا للفتنة والقطيعة ويؤدي إلى ضياع الثقة بين الناس، فالمجتمع الذي تنتشر فيه خيانة الأمانة يفتقد إلى التماسك والاحترام، بينما الالتزام بالستر يحفظ العلاقات ويجعل المجتمع أكثر أمنًا، كما أن نشر أسرار الآخرين نوع من التشهير الذي نهى عنه الإسلام لما فيه من أذى للنفوس وهتك للكرامة.
أهمية الالتزام بتعاليم الستر في العصر الحديث
في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتداول المعلومات بسرعة، شددت «الإفتاء» على ضرورة التمسك بمبدأ الستر أكثر من أي وقت مضى، لأن إفشاء السر في هذا العصر قد يصل إلى ملايين الناس في لحظة واحدة، وهو ما يجعل أثر الخيانة مضاعفًا، ومن هنا كان واجبًا على كل مسلم أن يراقب الله فيما يكتب وينشر وأن يعلم أن الستر عبادة عظيمة تحفظه في الدنيا والآخرة.
توصيات شرعية من الإفتاء
خلصت «الإفتاء» في فتواها إلى أن الأمانة ليست مجرد قيمة اجتماعية، بل هي حكم شرعي وأمر إلهي، ومن خان الأمانة بكشف ما استؤمن عليه فقد ارتكب إثمًا عظيمًا، وأن الستر هو الخيار الأمثل شرعًا وأخلاقًا، مشددة على أن المسلم الحق هو من يحفظ سر أخيه ويعينه على التوبة ويبتعد عن التشهير، لأن «الإسلام» دين رحمة وعدل وستر.