ليس الأكل وحده.. التوتر يزيد متلازمة «القولون العصبي»

يُعد «القولون العصبي» من أكثر الاضطرابات شيوعًا في الجهاز الهضمي، حيث يعاني منه ملايين الأشخاص حول العالم بدرجات متفاوتة، ويتميز هذا الاضطراب بأعراض مزعجة مثل الانتفاخ وآلام البطن والتقلصات وتغيرات في حركة الأمعاء بين الإسهال والإمساك، ورغم أن كثيرين يعتقدون أن «القولون العصبي» مرتبط فقط بنوعية الطعام أو النظام الغذائي، إلا أن الدراسات الحديثة أثبتت أن «التوتر» والضغوط النفسية يلعبان دورًا رئيسيًا في تحفيز الأعراض وزيادتها سوءًا.
التوتر وتأثيره المباشر على القولون
يؤكد الأطباء أن «القولون العصبي» لا يتأثر فقط بما يدخل إلى المعدة من أطعمة، بل يتأثر أيضًا بما يدور في العقل من أفكار ومشاعر، فعند الشعور بالتوتر أو القلق يفرز الجسم هرمونات مثل الكورتيزول والأدرينالين، وهذه الهرمونات تؤثر مباشرة على حركة الأمعاء وتوازن البكتيريا المفيدة فيها، مما يؤدي إلى حدوث اضطرابات في «القولون»، فتزداد التقلصات ويشعر الشخص بالانتفاخ أو الألم أو اضطراب الإخراج، ولذلك يُعتبر التوتر عاملًا محفزًا قويًا لأعراض «القولون العصبي» حتى لدى من يتبعون نظامًا غذائيًا صحيًا.
القولون والعلاقة بين الدماغ والأمعاء
يرتبط «القولون» ارتباطًا وثيقًا بالجهاز العصبي المركزي من خلال ما يُعرف بمحور الدماغ والأمعاء، وهو شبكة من الإشارات المتبادلة بين المخ والجهاز الهضمي، فعندما يتعرض الإنسان للضغوط النفسية يتلقى «القولون» إشارات عصبية تجعله أكثر حساسية لأي تغير داخلي، مما يؤدي إلى انقباض العضلات في جدار الأمعاء بشكل غير منتظم، وهذا يسبب الألم والانتفاخ، لذلك لا يُعتبر «القولون العصبي» مجرد اضطراب هضمي بل حالة متكاملة تجمع بين الجانب الجسدي والنفسي.
القولون والتغذية المتوازنة
رغم أن التوتر يلعب دورًا أساسيًا في اضطرابات «القولون»، إلا أن النظام الغذائي ما زال عنصرًا مهمًا في السيطرة على الأعراض، فبعض الأطعمة مثل المقليات والوجبات السريعة والمشروبات الغازية والقهوة قد تزيد من تهيج القولون، بينما تساعد أطعمة أخرى مثل الشوفان والموز والزبادي على تهدئته، كما يُنصح بتناول الألياف بكميات معتدلة وشرب كميات كافية من الماء لتحسين حركة الأمعاء، لكن الأهم هو تناول الطعام ببطء وفي بيئة هادئة بعيدًا عن التوتر أو الانفعال لأن الحالة النفسية أثناء الأكل تؤثر مباشرة على أداء «القولون».
طرق طبيعية لتخفيف توتر القولون
لمواجهة آثار التوتر على «القولون العصبي»، يُنصح بممارسة تقنيات الاسترخاء مثل التأمل والتنفس العميق واليوغا، فهذه الأنشطة تساعد على تهدئة الجهاز العصبي وتقليل إفراز هرمونات التوتر، كما أن النوم الكافي والمنتظم يُعد من أهم الوسائل لدعم صحة الجهاز الهضمي، ويُفضل أيضًا ممارسة رياضة خفيفة مثل المشي اليومي لتحسين الدورة الدموية وتنشيط حركة الأمعاء، هذه الممارسات البسيطة تُحدث فرقًا كبيرًا في تخفيف أعراض «القولون» المزمنة.
القولون وأثر الحالة النفسية على الجهاز الهضمي
تشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق أو الاكتئاب هم أكثر عرضة للإصابة بمشكلات «القولون العصبي»، لأن الحالة النفسية المتوترة تؤدي إلى زيادة حساسية الأمعاء لأي مؤثر بسيط، كما أن الدماغ يفسر الألم الهضمي بشكل مبالغ فيه عندما يكون الشخص في حالة انفعال أو توتر، مما يزيد الإحساس بالألم، لذلك يُعتبر علاج الحالة النفسية جزءًا لا يتجزأ من علاج «القولون العصبي» نفسه.
العلاج السلوكي ودوره في تحسين أعراض القولون
من الأساليب الحديثة التي أثبتت فعاليتها في علاج اضطرابات «القولون العصبي» هو العلاج السلوكي المعرفي، حيث يساعد المريض على فهم العلاقة بين مشاعره وأعراضه الجسدية، ويُعلّمه كيفية التعامل مع التوتر بشكل صحي، كما يمكن لبعض الأدوية الخفيفة التي تُستخدم لتنظيم الحالة المزاجية أن تُخفف من حساسية الأمعاء وتقلل من نوبات الألم، ولكن يُفضل دائمًا استشارة الطبيب قبل اللجوء إلى أي علاج دوائي لضمان التوازن بين الجانب النفسي والجسدي.
أهمية الدعم الأسري والاجتماعي
يحتاج مريض «القولون العصبي» إلى دعم من الأسرة والأصدقاء، فالتفهم والهدوء في التعامل يُخفف من شعوره بالضغط ويُقلل من تكرار الأعراض، كما أن البيئة الإيجابية المشجعة تُساعد في تحسين الحالة النفسية وبالتالي تهدئة القولون، فالكلمة الطيبة والابتسامة قد تكون علاجًا فعالًا مثل الدواء في بعض الأحيان، لأن الجهاز الهضمي يتأثر بما يشعر به الإنسان تمامًا كما يتأثر بما يأكله.
«القولون العصبي» ليس مجرد مشكلة في الجهاز الهضمي بل هو مرآة لحالة الإنسان النفسية والعاطفية، فالتوتر والقلق والغضب يمكن أن يكون لها تأثير يفوق تأثير الأطعمة غير الصحية على القولون، ولهذا يجب التعامل مع المشكلة بنظرة شاملة تجمع بين التغذية السليمة والراحة النفسية وتنظيم نمط الحياة، فالحفاظ على هدوء العقل يعني بالضرورة راحة «القولون»، ومع الوعي بالعلاقة الوثيقة بين التوتر والجهاز الهضمي يمكن للجميع أن يعيشوا حياة أكثر توازنًا وصحة.