الهند تشدد بيع «الباراسيتامول» بعد وفيات بين الأطفال

الباراسيتامول يثير القلق في الهند بعد تسجيل «وفيات بين الأطفال» وتشديد الرقابة على بيعه دون وصفة طبية
شهدت الهند خلال الأيام الأخيرة حالة من القلق العام بعد الإعلان عن «حالات وفاة» يشتبه في ارتباطها باستخدام دواء «الباراسيتامول» بطريقة غير آمنة للأطفال، حيث دفعت هذه الأحداث وزارة الصحة الهندية إلى إصدار قرارات عاجلة لتشديد الرقابة على بيع الدواء في الصيدليات، خصوصًا تلك التي تقدم الدواء دون وصفة طبية مما أثار تساؤلات حول مدى الوعي بخطورة الاستخدام المفرط أو الخاطئ لهذا العقار الذي يُعتبر من أكثر الأدوية استخدامًا حول العالم، إذ يُعتمد عليه كمسكن آمن وخافض للحرارة في حالات البرد والإنفلونزا، إلا أن الإفراط في تناوله قد يؤدي إلى «مضاعفات خطيرة» خصوصًا على الكبد.
تحرك رسمي بعد الوفيات
أفادت تقارير إعلامية محلية أن السلطات الصحية في عدة ولايات هندية بدأت بحملات تفتيش مفاجئة على الصيدليات بعد تسجيل عدد من حالات الوفاة بين الأطفال الذين تناولوا «الباراسيتامول» بجرعات مرتفعة أو غير مناسبة لأعمارهم، وقد تبين من التحقيقات الأولية أن بعض أولياء الأمور قاموا بشراء الدواء من دون استشارة الطبيب، مما أدى إلى أخطاء في تقدير الكمية المسموح بها، ولهذا شددت الحكومة على ضرورة أن يكون صرف «الباراسيتامول» للأطفال مقتصرًا على وصفة طبية معتمدة من طبيب مختص لتجنب أي «مخاطر صحية» محتملة.
الباراسيتامول بين الفائدة والخطر
يُعد «الباراسيتامول» من أكثر الأدوية شيوعًا حول العالم، إذ يستخدم لتخفيف الألم وخفض درجة الحرارة، وهو متوفر بعدة أشكال مثل الأقراص والشراب والحقن، ويُنظر إليه على أنه آمن نسبيًا عند الالتزام بالجرعة الموصى بها، غير أن المشكلة تبدأ عندما يتم تناوله بجرعات زائدة أو بشكل متكرر في فترات قصيرة، مما قد يؤدي إلى تسمم كبدي حاد قد يودي بالحياة، وقد حذر الأطباء من أن الكبد هو العضو الأكثر تأثرًا بهذا الدواء، خاصة لدى الأطفال الذين لا تزال أجسامهم غير قادرة على تحمل الجرعات العالية.
حملات توعية جديدة
ردًا على الأزمة الحالية، أطلقت السلطات الصحية في الهند بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني حملة وطنية للتوعية بمخاطر سوء استخدام «الباراسيتامول»، وأكدت الحملة على ضرورة قراءة النشرة المرفقة بالدواء بعناية، وعدم إعطاء الدواء للأطفال إلا بعد تحديد الجرعة المناسبة وفق وزن الطفل وعمره، كما نبهت إلى أن إعطاء جرعات متقاربة في فترات قصيرة قد يؤدي إلى «تسمم خطير»، وقد دعا الأطباء الأهالي إلى استشارة الطبيب فورًا في حال استمرار الحمى أو الألم لأكثر من يومين بدلًا من زيادة جرعة الدواء من تلقاء أنفسهم.
أسباب تشديد الرقابة
يرى المراقبون أن «تشديد بيع الباراسيتامول» في الهند ليس مجرد إجراء مؤقت بل خطوة ضرورية لإعادة ضبط سوق الدواء بعد انتشار ظاهرة بيع المسكنات دون رقابة، إذ أظهرت التقارير أن كثيرًا من الصيدليات تبيع الأدوية للأطفال دون وصفة، مما يشكل خطرًا على الصحة العامة، لذلك شددت الحكومة على أن أي مخالفة ستواجه بعقوبات صارمة قد تصل إلى إغلاق الصيدلية وسحب ترخيصها، كما دعت الشركات المنتجة إلى وضع تحذيرات واضحة على العبوات لتوعية المستهلكين.
رأي الأطباء والخبراء
أكد عدد من الأطباء أن «الباراسيتامول» دواء فعال وآمن إذا استخدم بالشكل الصحيح، لكن الخطورة تكمن في غياب الوعي بالجرعة المناسبة لكل فئة عمرية، وأشاروا إلى أن بعض الأهالي يخلطون بين تركيز الدواء المخصص للبالغين والمخصص للأطفال، ما يؤدي إلى تجاوز الحد المسموح به من المادة الفعالة، كما نبه الخبراء إلى ضرورة حفظ الدواء بعيدًا عن متناول الأطفال، إذ إن تناول كميات كبيرة منه عن طريق الخطأ قد يؤدي إلى «تسمم حاد» يتطلب تدخلًا طبيًا عاجلًا.
دعوات للرقابة العالمية
لم تقتصر أصداء قضية «الباراسيتامول» على الهند فحسب، بل امتدت إلى جهات صحية دولية دعت إلى ضرورة مراجعة أنظمة صرف الدواء في الدول النامية، خاصة الأدوية التي تُباع دون وصفة، حيث أكدت منظمة الصحة العالمية في بيان سابق أن المسكنات يجب ألا تُعتبر خالية من المخاطر، وأن الاستخدام المفرط لأي دواء دون إشراف طبي يمثل تهديدًا للصحة العامة، كما أشارت إلى أهمية التدريب المستمر للعاملين في الصيدليات على توعية المستهلكين بطريقة الاستعمال الآمن للأدوية.
الباراسيتامول في المنازل
يحتل «الباراسيتامول» مكانة أساسية في كل بيت تقريبًا، فهو الدواء الأول الذي يلجأ إليه الناس لتخفيف الحمى والصداع وآلام العضلات، لكن الأطباء يشددون على أن «الاعتماد الكامل» عليه دون تشخيص طبي قد يؤدي إلى إهمال أسباب المرض الحقيقية، فليس كل ارتفاع في الحرارة يحتاج إلى الدواء فورًا، بل يجب تحديد السبب أولًا، كما يُفضل قياس الجرعة بملعقة طبية دقيقة بدلًا من التقدير العشوائي الذي يؤدي غالبًا إلى زيادة الكمية عن الحد الآمن.
تؤكد الأزمة الأخيرة أن «الوعي الصحي» هو خط الدفاع الأول لحماية الأطفال من أي مخاطر دوائية، فدواء «الباراسيتامول» الذي اعتاد الناس اعتباره آمنًا يمكن أن يصبح سببًا في الكارثة إذا أُسيء استخدامه، لذلك فإن التعاون بين الأهالي والأطباء والصيدليات بات ضرورة حتمية، فحياة الأطفال أغلى من أي دواء، والوقاية تبدأ بمعرفة الجرعة الصحيحة وعدم التهاون في طلب المشورة الطبية عند الحاجة.