حكم جمع الصلاة لأجل العمل.. الإفتاء توضح الحكم
الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي الصلة الوثيقة بين العبد وربه، ولهذا فإن أداء «الصلاة» في وقتها من أعظم العبادات التي أمر الله بها، ومع ذلك فقد راعت الشريعة الإسلامية أحوال الناس وظروفهم المختلفة، فجعلت «الصلاة» رحمة وتيسيرًا وليست مشقة ولا عناء، وقد ورد إلى دار الإفتاء المصرية سؤال يتكرر كثيرًا بين الناس حول حكم «جمع الصلاة بسبب ظروف العمل»، وهو سؤال يطرحه العمال والموظفون الذين تضطرهم أعمالهم الشاقة أو ساعاتهم الطويلة إلى تأخير «الصلاة» أو تركها أحيانًا حتى نهاية اليوم، فجاء رد دار الإفتاء واضحًا جامعًا بين الفقه والرحمة.
حكم جمع الصلاة بسبب ظروف العمل
أوضحت دار الإفتاء المصرية في فتواها أن «الشريعة الإسلامية قائمة على اليسر ورفع الحرج»، وهي تسعى دائمًا لتحقيق مقاصدها الكبرى في التخفيف عن الناس وتيسير العبادة عليهم، ولهذا فإن العلماء أجازوا الجمع بين الصلوات للحاجة، سواء في السفر أو في الحضر، ما دام لا يُتخذ عادة دائمة، وأكدت دار الإفتاء أن بعض كبار العلماء مثل «ابن سيرين» و«ربيعة» و«أشهب» و«ابن المنذر» قد أجازوا الجمع بين الصلوات في الحضر للحاجة، وهو ما يدل على أن «الصلاة» في الإسلام قائمة على الرحمة وليس التعسير.
واستشهدت دار الإفتاء بقول الله تعالى «يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ»، وهو نص صريح يؤكد أن أحكام «الصلاة» وغيرها من العبادات شرعت لتكون رحمة للإنسان لا مشقة عليه، كما أوردت الدار في فتواها حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ «جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر»، وقد قال ابن عباس إن الرسول أراد ألا يحرج أمته، أي أنه جمع بين الصلوات لرفع الحرج عن الناس وتيسير أمورهم.
الجمع بين الصلوات للضرورة
ذكرت دار الإفتاء أن من بين صور الرخص التي أجازها الفقهاء جواز الجمع بين الصلوات لأصحاب «الأعمال الشاقة»، كالخباز والطباخ وسائق الشاحنة والعامل في مواقع البناء، ممن يخشى على رزقه أو عمله إن ترك موقعه لأداء «الصلاة» في وقتها، وقد اختار هذا القول الإمام أحمد بن حنبل في بعض الروايات، وأقره من بعده العلماء كالبهوتي والمرداوي وتقي الدين ابن تيمية، حيث اعتبروا أن الجمع للحاجة جائز بشرط ألا يصبح عادة دائمة، وأن يظل المصلي محافظًا على الخشوع والإخلاص في «الصلاة».
وختمت دار الإفتاء فتواها بالتأكيد على أن «جمع الصلاة لأصحاب الأعمال الشاقة جائز عند الحاجة والضرورة»، ما دام القصد منه أداء العبادة في وقت مشروع، وليس التهاون في حق الله، وأكدت أن المسلم عليه أن يسعى دائمًا لأداء «الصلاة» في وقتها، ولكن إن ضاق الوقت أو كانت الظروف قاهرة، فله أن يأخذ بالرخصة الشرعية.
القصر في الصلاة أثناء السفر
من جهة أخرى، بيّن الدكتور مجدي عاشور المستشار العلمي لمفتي الجمهورية أن «القصر في الصلاة» رخصة سنّها الإسلام للمسافر تيسيرًا عليه، فيجوز له أن يقصر الرباعية إلى ركعتين، سواء جمع بين الصلوات أو صلاها منفصلة، موضحًا أن القصر سنة مؤكدة عند أكثر العلماء، وأنه يجوز للمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم أو جمع تأخير، وكذلك بين المغرب والعشاء، أما صلاة المغرب فلا تُقصر لأنها ثلاث ركعات، بينما تُقصر صلاة العشاء إلى ركعتين.
وأشار إلى أنه يجوز القصر للمسافر إذا كانت مسافة السفر لا تقل عن تسعة وثمانين كيلومترًا، فيمكنه أن يصلي الظهر والعصر في وقت الظهر «جمع تقديم»، أو في وقت العصر «جمع تأخير»، وكذلك الأمر بالنسبة للمغرب والعشاء، وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره، وهو من أوجه التيسير التي جاءت بها «الصلاة» للمسافر.
شروط الجمع والقصر في الصلاة
أوضح الشيخ أحمد ممدوح أمين الفتوى بدار الإفتاء أن المسافر له أن يتمتع برخص الجمع والقصر بشرط أن يكون سفره مباحًا وطويلًا، أي يزيد عن خمسة وثمانين كيلومترًا، وألا يكون السفر لمعصية، فإذا كان كذلك، فله أن يجمع ويقصر «الصلاة» أثناء سفره وحتى يصل إلى مقصده، وأضاف أن الرخصة تظل قائمة إذا لم تتجاوز مدة الإقامة في المكان الجديد ثلاثة أيام غير يومي الدخول والخروج، وبعد ذلك يعود إلى حكم المقيم ويصلي الصلوات كاملة في أوقاتها.
وبيّن ممدوح أن الجمع بين الصلوات يكون بطريقتين، إما «جمع تقديم» أي أن يصلي الظهر والعصر في وقت الظهر، أو «جمع تأخير» بأن يصليهما في وقت العصر، وكذلك يجوز الجمع بين المغرب والعشاء، وهذا الجمع يهدف إلى رفع الحرج عن الناس أثناء السفر أو العمل أو الظروف الطارئة، مؤكدًا أن «الصلاة» في الإسلام قائمة على الرحمة والتيسير وليس على العنت والتشديد.
حكمة التيسير في الصلاة
إن الله تعالى لم يفرض «الصلاة» لتكون مشقة على عباده، بل جعلها وسيلة قرب ورحمة، وجعل فيها من الرخص ما يسهل أداءها في كل حال، فالمسافر والمريض والعامل في شدة الحر أو تحت ضغط العمل، كلهم يجدون في شريعتنا مخرجًا يتيح لهم أداء «الصلاة» دون مشقة، ولهذا قال الفقهاء إن من مقاصد الشريعة الكبرى رفع الحرج وتحقيق المصلحة، فكل رخصة في «الصلاة» هي تجلٍ لرحمة الله بعباده.
إن العمل عبادة، ولكن لا يجوز أن يحول بين الإنسان وبين «الصلاة»، فإذا كان الجمع بين الصلوات هو الوسيلة الوحيدة للمحافظة على العبادة دون تعطيل العمل، فحينها يجوز الأخذ بالرخصة، بشرط ألا يُتخذ الأمر عادة، وأن يكون المسلم حريصًا على أداء «الصلاة» بخشوع واستحضار نية القرب من الله تعالى.
«الصلاة» هي عمود الدين، وهي العبادة التي لا تسقط عن المسلم ما دام عاقلًا قادرًا، وقد جاءت الشريعة الإسلامية بالتيسير فيها للحاجة والضرورة، فمن لم يستطع أداءها في وقتها بسبب ظروف قهرية أو عمل شاق، فله أن يجمع بين الصلوات بنية صادقة وحرص على رضا الله، وهكذا يتجلى في أحكام «الصلاة» وجه من أوجه الرحمة الإلهية التي ميزت هذا الدين العظيم، دين اليسر والمغفرة.



