الشيخ الشعراوي يوضح قصة أصحاب السبت وحكمة مسخهم إلى قردة
تحدثت النصوص القرآنية عن تفضيل الله يوم الجمعة، إلا أن اليهود خالفوا هذا وقرروا تعظيم يوم السبت بدلاً منه، الإلهي كعادتهم في معارضة أوامر الله سبحانه وتعالى، وقرروا تعظيم يوم السبت بدلاً منه، برروا اختيارهم هذا بادعاءٍ باطل بأن الله خلق الكون على مدار ستة أيام، بدأ يوم الأحد واختتم يوم الجمعة، “واستراح يوم السبت”، وهو افتراء على الله تعالى.
لم يقتصر الأمر على اليهود، بل سارت النصارى على نهج مشابه، حيث اختاروا يوم الأحد بدلاً من الجمعة، وزعموا أنه اليوم الذي بدأ فيه الله خلق الكون، هذا التعنت والمخالفة للأوامر الإلهية كانت نتيجته وخيمة، تركهم الله لما اختاروه، وألزمهم بأغلال التكاليف الثقيلة، وحرم عليهم العمل والصيد يوم السبت، لكنهم رغم التحريم، لم يلتزموا بالأمر الإلهي، واستهانوا بالحدود الربانية، مما أدى إلى مسخهم كعقوبة على عصيانهم.
ما سبب مسخ أصحاب السبت؟
أوضح الشيخ محمد متولي الشعراوي، في تفسيره لقول الله تعالى:
قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ (المائدة: 60)، أن هذا المسخ الذي ذكره الله في الآية لا يُقصد به المسخ الجسدي أو الخلقي بشكل حرفي فقط، وإنما يشير إلى مسخ معنوي وأخلاقي.
بحسب الشعراوي، فإن الله وصف هؤلاء العصاة بالخروج عن الإنسانية المكرمة التي تليق بالإنسان الذي يسير على منهج الله، وتحولهم إلى مستوى بهيمي أدنى، إنهم لم يلتزموا بما أمر الله به، ولم يرقوا بأنفسهم إلى ما يستحقونه من تكريم، فكان العقاب أن تُظهر أفعالهم حقيقتهم المخزية.
القردة رمز للفضيحة والخفة
وأضاف الشيخ الشعراوي أن استخدام وصف “القردة” له دلالة رمزية عميقة. القرد هو كائن “مفضوح السوأة”، وخفيف الحركة، مما يشير إلى افتقار هؤلاء العصاة إلى القيم الثابتة، لقد عرّى الله سوءاتهم بسبب أفعالهم التي خالفت المنهج الإلهي، وكشف عيوبهم الأخلاقية التي جعلتهم أشبه بالحيوانات في سلوكهم.
كما أشار إلى أن القرد لا يُؤدب إلا بالعصا، وهو تشبيه بحال هؤلاء القوم الذين لم يخضعوا إلا تحت وطأة التهديد، كما حدث حين رفع الله فوقهم جبل الطور كتهديد ليأخذوا العهد الإلهي بجدية.
الخنازير رمز لفقدان الغيرة
أما وصف مشايخهم بالخنازير، فقد فسره الشيخ الشعراوي على أنه إشارة إلى انعدام الغيرة والكرامة لدى قادتهم، هذه الصفة كانت انعكاسًا لسلوك من خرجوا عن منهج الله وانحرفوا عن القيم الإلهية، مما أفقدهم الغيرة على القيم والمبادئ كما يفقد الخنزير الغيرة على إناثه.
كما تناول الشعراوي مفهوم “عبادة الطاغوت” في هذه الآية، موضحًا أن الطاغوت هو كل من يتجاوز الحد في الظلم والطغيان، ومن يعبد الطاغوت هو من يطيع أمره أو يزين له ظلمه، أو يدافع عن طغيانه، ليصبح بذلك مشاركًا في الفساد والانحراف.
العبرة من القصة
أوضح الشعراوي أن هذه القصة تقدم درسًا عميقًا في العقاب الإلهي. المسخ هنا ليس مجرد مسخ جسدي، بل هو في حقيقته مسخ أخلاقي وسلوكي، عندما يخرج الإنسان عن منهج الله وينحرف عن القيم الإلهية، يفقد إنسانيته المكرمة وينحدر إلى مستوى أدنى من الكائنات التي خلقها الله.
القصة تذكرنا بضرورة الالتزام بأوامر الله وعدم الاستخفاف بها، فالعصيان، مهما بدا صغيرًا، قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، ليس فقط على مستوى الفرد، بل على المجتمع بأسره، إنها دعوة لإعادة النظر في أفعالنا وتصرفاتنا، والالتزام بمنهج الله لضمان حياة قائمة على الكرامة والتكريم الإلهي.