هل يجوز قراءة القرآن من المصحف أثناء صلاة التراويح؟.. الإفتاء تجيب

أثارت مسألة قراءة القرآن من المصحف أثناء الصلاة، وخاصة في صلاة التراويح، تساؤلات عديدة بين المصلين، وتزايد البحث عن الحكم الشرعي لهذا الأمر، خاصة مع حلول شهر رمضان المبارك، حيث يحرص المسلمون على إقامة صلاة التراويح وقراءة أجزاء طويلة من القرآن الكريم، وهو ما دفع دار الإفتاء المصرية ومركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية إلى توضيح الحكم الشرعي في هذا الأمر، وبيان آراء الفقهاء حول جواز القراءة من المصحف أثناء الصلاة.
دار الإفتاء: القراءة من المصحف في صلاة التراويح جائزة
أوضحت دار الإفتاء المصرية، عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، أن قراءة القرآن من المصحف أثناء صلاة التراويح أمر جائز شرعًا، ولا مانع من القيام بذلك، مؤكدة أن هذا الحكم يستند إلى ما ورد عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، حيث كان يؤمها غلام لها صغير يقرأ من المصحف، مما يعد دليلًا على جواز هذا الفعل في الصلاة.
وأشارت دار الإفتاء إلى أن الهدف من صلاة التراويح هو قراءة القرآن وتدبره، وأن القراءة من المصحف تساعد على ذلك، خاصة لمن لا يحفظون أجزاء كبيرة من القرآن الكريم، كما أن هذه الرخصة تسهل على الأئمة والمصلين إتمام الصلاة دون مشقة، مع التأكيد على أن الأهم هو الخشوع في الصلاة والتدبر في معاني الآيات.
مركز الأزهر العالمي للفتوى: اختلاف الفقهاء حول الحكم الشرعي
من جانبه، أوضح مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية أن قراءة بعض الآيات بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين من الصلاة سنة مؤكدة للإمام والمأموم، مستدلًا بقول الله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل:20]، وأنه إذا ترك المصلي القراءة بعد الفاتحة فصلاته صحيحة، ولكن الأفضل والأكمل هو قراءة ما تيسر من القرآن الكريم.
وأضاف المركز أن الأصل في الصلاة أن تكون قراءة القرآن فيها من الحفظ وليس من المصحف، وهذا ما استدل به من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “لِيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا” (رواه البخاري)، مما يدل على أن الحفظ هو معيار التفضيل في الإمامة، غير أن هناك خلافًا بين الفقهاء في حكم قراءة المصلي من المصحف أثناء الصلاة، سواء كانت صلاة فرض أو نفل.
آراء الفقهاء في حكم القراءة من المصحف في الصلاة
استعرض مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية آراء الفقهاء في هذه المسألة، حيث ذهب الشافعية والحنابلة في المعتمد عندهم إلى جواز القراءة من المصحف في الصلاة سواء كانت الصلاة فرضًا أم نفلًا، واستدلوا على ذلك بما ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها، إذ كان غلامها ذكوان يؤمها في الصلاة ويقرأ من المصحف، وقد روى هذا الأثر الإمام البخاري معلقًا بصيغة الجزم، مما يعد دليلًا على جواز هذا الفعل.
أما المالكية فقد فرقوا بين صلاة الفرض وصلاة النفل، حيث رأوا كراهة القراءة من المصحف في صلاة الفرض مطلقًا، وكذلك في صلاة النافلة إذا بدأ المصلي القراءة من المصحف في أثناء الصلاة، نظرًا لما يترتب على ذلك من انشغال عن الخشوع، بينما أجازوا القراءة من المصحف في صلاة النفل إذا بدأ بها من أول الصلاة، نظرًا للتيسير ورفع الحرج في النوافل.
في المقابل، ذهب الحنفية إلى أن القراءة من المصحف في الصلاة تُفسدها، وهو أيضًا رأي الإمام ابن حزم من الظاهرية، حيث اعتبروا أن حمل المصحف والنظر فيه وتقليب صفحاته عمل كثير ينافي هيئة الصلاة وخشوعها، ولذلك يحكمون ببطلان الصلاة عند القراءة من المصحف.
الأفضلية في قراءة القرآن أثناء الصلاة
أكد مركز الأزهر العالمي للفتوى أن الأفضل والأولى للمصلي أن يقرأ القرآن من حفظه ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، خاصة وأن الله سبحانه وتعالى امتدح أهل العلم بحفظهم لكتابه الكريم في قوله تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ…} [العنكبوت:49]، كما أن السُّنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه الكرام تؤكد أنهم كانوا يقرؤون القرآن من حفظهم في الصلاة.
ومع ذلك، أشار المركز إلى أنه إذا عجز المصلي عن الحفظ أو أراد قراءة آيات طويلة كما في صلاة التراويح أو صلاة القيام، فيجوز له أن يقرأ من المصحف ولا حرج في ذلك، مراعاة للتيسير على المسلمين وتخفيفًا للمشقة، خاصة لمن لم يتمكنوا من حفظ أجزاء كبيرة من القرآن.
حكم القراءة من المصحف في صلاة الفرض
وفيما يتعلق بحكم القراءة من المصحف في صلاة الفرض، أكدت دار الإفتاء المصرية أن ذلك جائز شرعًا، ولا مانع للمصلي من أن يقرأ من المصحف سواء كان في صلاة الفرض أو السنة، وهو رأي جمهور الفقهاء باستثناء الحنفية الذين يرون أن هذا الفعل يبطل الصلاة.
وخلصت دار الإفتاء إلى أن الشريعة الإسلامية قائمة على التيسير ورفع الحرج، وأن قراءة القرآن من المصحف في الصلاة مباحة وجائزة ما دامت تحقق الخشوع والطمأنينة للمصلي، وتعينه على أداء الصلاة على الوجه الأكمل، مع التأكيد على أن الحفظ عن ظهر قلب هو الأفضل والأكمل لمن استطاع.
يتبين مما سبق أن قراءة القرآن من المصحف أثناء الصلاة، سواء كانت فرضًا أو نافلة، جائزة عند جمهور الفقهاء، وخاصة في صلاة التراويح والقيام التي تتطلب قراءة أجزاء طويلة من القرآن، بينما يرى الحنفية أن هذا الفعل يبطل الصلاة، والأفضل والأكمل للمصلي أن يقرأ من حفظه إن استطاع، وإن لم يستطع فلا حرج عليه في القراءة من المصحف تحقيقًا للخشوع وتيسيرًا على المسلمين.