غياب الكتب المصرية يهز صورة مصر الثقافية بـ معرض الرباط

في مشهد أثار الاستغراب وخيبة الأمل، تحولت مشاركة مصر في «معرض الرباط الدولي للكتاب» إلى أزمة تنظيمية حادة، بعد أن خلت أجنحة 35 دار نشر مصرية من أي كتب، في واقعة غير مسبوقة تُضعف الحضور الثقافي المصري في محفل دولي كان من المفترض أن يعكس مكانة القاهرة كعاصمة للثقافة العربية، وتسببت هذه الكارثة في جدل واسع بين الناشرين، واتهامات صريحة باتجاه اتحاد الناشرين المصريين، في ظل غياب خطة طوارئ أو بدائل فعالة.
تأخر الشحن يعطل مشاركة مصرية واسعة
تعود جذور الأزمة إلى تأخر شركة الشحن التي تعاقد معها اتحاد الناشرين المصريين باعتبارها الناقل الرسمي والوحيد لإصدارات دور النشر المشاركة في معرض الرباط، ورغم إدراك الاتحاد لأهمية التوقيت ودقة الجدول الزمني للحدث، لم تصل الشحنات في الموعد المحدد، مما ترك أجنحة الناشرين المصريين خاوية، بلا كتب أو جمهور، في وقت كانت فيه وفود الدول الأخرى تتفاعل بنجاح لافت مع رواد المعرض.
وزارة الثقافة تتابع عن كثب وتلقي بالمسؤولية على الاتحاد
وزارة الثقافة المصرية لم تقف مكتوفة الأيدي، بل أعلنت متابعتها الحثيثة للأزمة وفي بيان رسمي، أكدت أن مسؤولية التنسيق والشحن تقع بالكامل على اتحاد الناشرين المصريين، الذي تعاقد مع شركة واحدة دون أي بدائل، ودون الاستعداد لأي طارئ.
وزير الثقافة أحمد فؤاد هنو، الذي تواجد في المغرب لمتابعة الموقف، أعلن عن عقد اجتماع عاجل لمناقشة تداعيات الأزمة، واتخاذ خطوات واضحة تضمن عدم تكرار مثل هذا المشهد المؤسف في المستقبل، وكما تم التنسيق مع الجهات المغربية لتسهيل دخول الشحنات فور وصولها، بهدف ضمان مشاركة مصر في الفعاليات قبل انتهائها.
تأخيرات خارجة عن الإرادة ووعود بالمحاسبة
في محاولة لتفسير الموقف، أصدر اتحاد الناشرين المصريين بيانًا أكد فيه أن أولى شحنات الكتب قد وصلت إلى الرباط متأخرة، مشيرًا إلى أن شحنة أخرى لم تُحمّل بسبب عدم توافر مساحة أثناء الترانزيت في السعودية.
وذكر البيان أن الجهود مستمرة بالتعاون مع الخطوط الجوية السعودية لإيجاد رحلة لاحقة، مع وعد بوصول بقية الشحنات قريبًا.
رئيس الاتحاد، فريد زهران، أقر بوجود أزمة حقيقية أثرت على صورة مصر الثقافية، لكنه حمّل شركة الشحن جزءًا من المسؤولية، مؤكدًا أن الاتحاد أجبرها على تنفيذ الشحن الجوي بنسبة 10%، غير أن ذلك لم يكن كافيًا لتلبية احتياجات الناشرين كافة.
الناشرون غاضبون.. «لا أعتذار ولا تحمل للمسؤولية»
ردود فعل الناشرين المشاركين في «معرض الرباط للكتاب» جاءت غاضبة وشديدة اللهجة، فقد عبّر عدد من الناشرين عن استيائهم الشديد من أداء الاتحاد، مؤكدين أن الأزمة تكررت لأكثر من مرة، دون اتخاذ أي إجراءات حاسمة.
وأعرب الناشرون عن استغرابهم من غياب أي اعتذار رسمي من الاتحاد، أو حتى اعتراف بخطأ واضح كان يمكن تجنبه بالتخطيط المسبق، كما أشاروا إلى أن كتبهم ظلت في مخازن الشحن لقرابة شهر دون تحرك فعلي، ما تسبب في خسائر مادية ومعنوية كبيرة.
بيانات «مستفزة» واتهامات مباشرة للاتحاد
بيان الاتحاد لم يُرضِ الناشرين، بل وصفه البعض بـ«المستفز»، لكونه تجاهل تحديد المسؤول الحقيقي ولم يتطرق لسبل التعويض. وأكدوا أن اختيار شركة الشحن تم بشكل فردي، دون مشاورة دور النشر أو توفير بدائل في حال حدوث تأخير.
هذا التجاهل للمسؤولية، حسب قولهم، لا يليق بتمثيل مصر في المعارض الدولية، ويضعف من قدرة الناشر المصري على المنافسة في السوق العربي.
حلول متأخرة وتحقيقات منتظرة
في تطور لاحق، أشار رئيس الاتحاد إلى أن شحنة بحرية وصلت إلى ميناء كازابلانكا، ومن المتوقع تسليم الكتب إلى الناشرين يوم الإثنين، أي بعد أربعة أيام من انطلاق المعرض، مما يجعل المشاركة المصرية شبه رمزية.
ووعد زهران بفتح تحقيق شامل بعد انتهاء المعرض، على أن يتم محاسبة أي طرف تسبب في هذه الأزمة، سواء من داخل الاتحاد أو من شركة الشحن، إضافة إلى مناقشة سبل تعويض الناشرين المتضررين.
مصر بين الريادة الثقافية وسوء الإدارة
«معرض الرباط للكتاب».. الحادثة، رغم أنها تبدو في ظاهرها لوجستية، إلا أنها تعكس أزمة أعمق في إدارة المشاركات الثقافية لمصر بالخارج، فالصورة التي ظهرت بها مصر في «معرض الرباط للكتاب» لا تليق بتاريخها العريق كمهد للنشر والثقافة في العالم العربي.
وسط التصريحات المتضاربة والبيانات غير المقنعة، تبقى الحقيقة المؤلمة أن مصر تخسر تدريجيًا مكانتها كقوة ناعمة مؤثرة، ما لم يتم اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة لإصلاح الخلل، وبناء نظام تنظيمي محترف يليق بثقلها الثقافي.