مومياء عمرها 800 عام تكشف عن وشم غامض.. والسر في جبال الأنديز

في اكتشاف علمي مثير يعيد فتح ملف الطقوس الجنائزية القديمة، سلط باحثون الضوء على مومياء غامضة لامرأة عمرها 800 عام، وُضعت منذ أكثر من قرن داخل متحف إيطالي دون أي معلومات واضحة عن أصولها، لكنها مؤخرًا كشفت عن مفاجأة مذهلة: وشم على الوجه باستخدام معدن نادر، مما يفتح الباب أمام أسئلة جديدة حول المعتقدات والتقاليد القديمة لشعوب جبال الأنديز.
المومياء التي يحتفظ بها متحف الأنثروبولوجيا والإثنوغرافيا بجامعة تورينو، تم التبرع بها قبل عام 1930، دون أي سجلات عن مكان العثور عليها أو ظروف دفنها، وهو ما جعلها تظل لسنوات طويلة في طي النسيان، حتى أعاد فريق من العلماء إيطاليين ودوليين فتح ملفها ضمن دراسة حديثة نُشرت في عدد مايو 2025 من مجلة التراث الثقافي.
وشوم نادرة على الوجه والرسغ.. ما دلالتها؟
وما أثار دهشة العلماء لم يكن فقط حالة التحنيط الجيدة، ولا وضعية الجلوس التي وُضعت فيها، بل الوشوم الظاهرة بوضوح على وجه المومياء.
إذ أظهرت التحليلات وجود ثلاثة خطوط على خدها الأيمن، وخط واحد على خدها الأيسر، إضافة إلى وشم غريب الشكل على رسغها الأيمن، يشبه الحرف اللاتيني «S».
وأوضح جيانلويجي مانجياباني، الباحث الرئيسي وعالم الأنثروبولوجيا بجامعة تورينو، أن الوشوم على الوجه بين شعوب منطقة الأنديز القديمة كانت نادرة جدًا، وأن ما يميز هذه المومياء هو وجود هذه العلامات على الخدين تحديدًا، وهي منطقة لم تُسجل فيها وشوم مشابهة من قبل.
ووصف الباحثون هذا الاكتشاف بـ«الفريد من نوعه»، مؤكدين أن الحرف الموشوم على الرسغ لا يوجد له مثيل معروف في أي من المومياوات المحنطة من حضارات الأنديز القديمة، ما يزيد من الغموض حول خلفية المرأة المحنطة وهويتها القبلية أو الثقافية.
تحديد العمر.. وارتباط محتمل بجنوب بيرو
وللوصول إلى تاريخ دقيق للوفاة، استعان الفريق بتقنية الكربون المشع لتحليل شظايا من الأنسجة القماشية التي كانت ملتصقة بجسم المومياء.
وجاءت النتيجة مفاجئة: المرأة توفيت بين عامي 1215 و1382 ميلاديًا، أي قبل أكثر من 800 عام.
أما وضعية الجلوس التي وُضعت بها المومياء، فهي من الطقوس المعروفة في مراسم الدفن التقليدية في جبال الأنديز، حيث كان يُعتقد أن وضع الميت بوضعية الجلوس يمنحه استعدادًا للبعث أو الدوران في دورة الحياة مجددًا.
حبر الوشم يكشف عن مكون نادر.. والمغنتيت كلمة السر
ولفهم تركيبة الحبر المستخدم في هذه الوشوم، استخدم العلماء مجموعة من التقنيات غير الإتلافية لتفادي الإضرار بجسد المومياء.
وكان من المتوقع أن يعثر الباحثون على آثار للفحم النباتي أو العظام المحترقة، وهي مكونات تقليدية للوشم القديم، إلا أن المفاجأة تمثلت في اكتشاف مادة المغنتيت كمكون أساسي للحبر، مع وجود آثار من معدن آخر يُعرف باسم «الأوجيت».
ويُعد المغنتيت معدنًا من أكاسيد الحديد معروف بلونه الأسود اللامع، أما الأوجيت فهو من المعادن البركانية النادرة، وتُشير الأبحاث الجيولوجية إلى إمكانية وجودهما معًا في جنوب بيرو، مما يدفع العلماء إلى ترجيح أن موطن المرأة الأصلي كان من تلك المنطقة تحديدًا.
هل نكتشف قريبًا هوية «السيدة الموشومة»؟
ورغم أن الدراسة ألقت ضوءًا جديدًا على الطقوس الجنائزية والوشوم في حضارات الأنديز، فإن هوية المومياء ما تزال مجهولة، إذ لا توجد نقوش أو كتابات أو حتى مستندات متحفية تربطها بقبيلة أو مكان محدد.
لكن الباحثين يؤكدون أن استمرار تحليل المواد العضوية والأنسجة القماشية، بالإضافة إلى مقارنة أنماط الوشم مع المومياوات الأخرى المكتشفة في بيرو وتشيلي، قد يساعد مستقبلًا في الكشف عن تفاصيل أكثر حول هذه المرأة الغامضة.
في الختام.. مومياء واحدة تكشف عن تاريخ مدهش
يبقى هذا الاكتشاف واحدًا من أكثر الأدلة إثارة للدهشة فيما يتعلق بالممارسات الجسدية والروحية لدى شعوب الأنديز، ويُعيد تسليط الضوء على مدى تطور تقنيات الزينة والهوية في تلك الثقافات القديمة.
وبينما يستمر الغموض في إحاطة مومياء تورينو، فإن وشمها، الصامت منذ قرون، يبدو أنه بدأ أخيرًا في رواية جزء من قصتها للعالم.