الجمعة 18 يوليو 2025 الموافق 23 محرم 1447
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
عاجل

مفاجأة أثرية.. عقائد المصريين القدماء لم تكن مفروضة من الحكم

قبور قديمة
قبور قديمة

تحقيق أثري جديد يعيد تشكيل فهمنا لنشأة الديانة الفرعونية، ويثبت أن جذورها نشأت من ممارسات دفن محلية قبل أن تتحول إلى عقيدة رسمية في مصر القديمة.

كشفت دراسة أثرية حديثة شملت أكثر من 500 مقبرة مصرية قديمة، أن أسس الديانة الفرعونية لم تفرض من الأعلى عبر الملوك والكهنة، كما كان يُعتقد تقليديًا، بل نشأت تدريجياً من طقوس دفن محلية وممارسات رمزية كانت شائعة في المجتمعات الريفية جنوب وادي النيل.

الدراسة، التي نشرت نتائجها مجلة «المنهج والنظرية الأثرية» ونقلها موقع Ancient Origins، تسلط الضوء على مقبرة «أدايمة»، الواقعة جنوبي مصر، والتي استخدمت بين عامي 3300 و2700 قبل الميلاد، أي قبل قرون من بناء الأهرامات أو توحيد مصر تحت سلطة مركزية.

مقبرة أدايمة تكشف أقدم طقوس الإيمان

قاد فريق البحث العالمة الفرنسية أميلين ألكوف من جامعة تولوز، إلى جانب باحثين دوليين، وأجرى الفريق مسحًا دقيقًا لموقع «أدايمة»، الذي يعد من أقدم وأكبر المواقع الجنائزية في مصر القديمة، ويمتد على مساحة 30 هكتارًا ويضم أكثر من 900 مقبرة.

الدراسة اعتمدت منهجًا علميًا متعدد التخصصات يجمع بين علم الآثار الميداني، والأنثروبولوجيا، والفلك الأثري، بالإضافة إلى تقنيات حديثة من الذكاء الاصطناعي.

رفات فتاة وأجرام سماوية.. طقوس ما قبل الأهرامات

واحدة من أبرز النتائج كانت مقبرة S166 التي احتوت على رفات فتاة مراهقة، وُجدت ذراعها اليسرى مقطوعة وموضوعة بعناية فوق صدرها، في طقس اعتبره الباحثون ذو طابع رمزي.

 الأهم أن جسد الفتاة وُجه بدقة نحو غروب الشمس يوم الانقلاب الشتوي، بينما صمم القبر ليوازي شروق نجم الشعرى اليمانية، ألمع نجوم السماء، والذي ارتبط لاحقًا بموسم فيضان النيل.

هذا التوجيه الفلكي يعكس فهمًا عميقًا للسماء، وارتباطًا بين المعتقدات الروحية والحياة الزراعية، وهو ما تطور لاحقًا إلى رموز مقدسة في العقيدة الرسمية للدولة الفرعونية.

شروق الشمس والموت.. رسائل مدفونة

مقبرتان أخريان دعمتا هذا النمط الفلكي:

S837 لامرأة دُفنت مع حُلي ثمينة وإناء خزفي مكسور يحمل رموزًا ظهرت لاحقًا في «نصوص الأهرام»، وهي أقدم النصوص الدينية المعروفة في مصر.

S874 لامرأة مدفونة مع شعر مستعار وعصا، في اتجاه شروق الشمس خلال الانقلاب الصيفي، ما يشير إلى تطور تدريجي في الطقوس الجنائزية وربطها بالدورة الشمسية ومفاهيم الخلود.

من مقابر الفلاحين إلى أساطير الآلهة

ترى الدراسة أن هذه الطقوس الريفية، مثل التقطيع الرمزي للجسد وتوجيه المدافن للأجرام السماوية، تحولت تدريجيًا إلى أساطير الدولة، مثل قصة إيزيس وأوزوريس. كما أصبح نجم الشعرى اليمانية، الذي كان مرتبطًا في الأصل بمواسم الزراعة، رمزًا للخصوبة والبعث والسلطة الملكية.

الدكتور تامر عبد الباقي، أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة القاهرة، أوضح أن هذا التحول من الرمزية الشعبية إلى الرمزية الرسمية أمر معروف في تاريخ الأديان، لكن الجديد هنا أن الدليل الأثري يدعم لأول مرة هذا التحول في مصر القديمة بشكل موثق ومنهجي.

الذكاء الاصطناعي يعيد كتابة التاريخ

ولأول مرة، اعتمد الفريق البحثي على تقنيات التعلم الآلي لتحليل أنماط التوجهات الجنائزية، وتحديد العلاقات الخفية بين المواقع المدفونة وعناصر الطبيعة والنجوم.

 هذه الأدوات ساعدت في الكشف عن معاني كانت غير مرئية للباحثين لعقود، وقدمت أدلة على وحدة الرمزية عبر مئات السنين قبل التدوين الرسمي للمعتقدات الدينية.

يؤكد الباحثون أن هذه النتائج قد تغير الطريقة التي ننظر بها إلى تشكل الديانات القديمة، حيث لم تكن بالضرورة نتيجة فرض سلطوي من النخبة، بل نتيجة تطور جماعي بطيء في المجتمعات الزراعية التي ربطت الموت بالحياة، والسماء بالأرض.

أدايمة.. البداية الحقيقية للعقيدة الفرعونية؟

بدلاً من قاعات المعابد، كانت بداية الدين المصري القديم في الحقول، بجوار النيل، في مقابر عادية تضم أناسًا عاديين. من هناك، خرجت البذور الأولى لواحدة من أعقد وأغنى المعتقدات في التاريخ الإنساني.

وربما ما تكشفه أدايمة اليوم ليس مجرد أسرار دفن، بل أسرار ولادة أمة آمنت أن الحياة تبدأ بعد الموت، وأن النجوم ليست مجرد أنوار، بل رسائل من السماء.

تم نسخ الرابط