ستة أعمال تجلب للفقير «أجر الصدقة» دون مال

الصدقة ليست مقصورة على المال وحده كما يظن الكثير من الناس، بل إن «الصدقة» في الإسلام هي باب واسع من أبواب الخير والرحمة، فتحه الله تعالى لكل عباده، الغني منهم والفقير، حتى لا يُحرم أحد من فضلها وأجرها، فالنية الصادقة والقول الطيب والعمل النافع كلها تعد في ميزان الله «صدقة» تُثقل حسنات المسلم وتزيد من قربه إلى ربه، ولذلك جاءت النصوص النبوية لتؤكد أن «الصدقة» لا تتعلق بالمال فقط، وإنما تشمل كل ما فيه نفع للناس وإحسان إليهم، وهذا ما يجعل باب «الصدقة» مفتوحًا أمام كل مؤمن يريد أن ينال رضا الله وثوابه العظيم.
مفهوم الصدقة في الإسلام
إن «الصدقة» في جوهرها تعبير عن الرحمة والعطاء والإيثار، فهي لا تقتصر على إنفاق المال على الفقراء والمحتاجين، بل تمتد لتشمل كل ما يقدمه الإنسان من خير للآخرين، فكل ابتسامة، وكل كلمة طيبة، وكل مساعدة يقدمها المرء لأخيه المسلم، تُعد في ميزان الله «صدقة»، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «كل معروف صدقة»، وهذه العبارة النبوية الجامعة تؤكد أن الخير في الإسلام لا يُقاس بحجمه المادي وإنما بروحه وأثره في حياة الناس.
أعمال تعادل أجر الصدقة
ومن أعظم ما يميز الإسلام أنه جعل للناس فرصًا كثيرة لينالوا ثواب «الصدقة» حتى وإن لم يمتلكوا المال، فقد بين النبي الكريم في أحاديثه الشريفة أن هناك أعمالًا بسيطة يمكن لكل مسلم أن يقوم بها وتُكتب له «صدقة»، ومن أبرز هذه الأعمال «الكلمة الطيبة» فهي تزرع السعادة في القلوب وتطفئ الغضب وتنشر المودة، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم «والكلمة الطيبة صدقة»، وكذلك «التبسم في وجه الآخرين» إذ قال النبي «تبسمك في وجه أخيك صدقة»، فالمسلم بطلاقة وجهه وبشاشته يحصد ثوابًا عظيمًا دون أن يُنفق درهمًا واحدًا.
ومن صور «الصدقة» أيضًا «إماطة الأذى عن الطريق» مثل رفع حجر أو شوكة أو ما قد يؤذي المارة، فذلك من الأعمال التي يحبها الله، لأنها تحفظ أرواح الناس وتسهم في طهارة المجتمع وسلامته، كما أن «إرشاد الضال» سواء إلى الطريق الحسي أو إلى طريق الخير والهداية هو «صدقة» عظيمة، لأن الدال على الخير كفاعله، وقد جعل الإسلام «تعليم العلم النافع» من أعظم صور «الصدقة الجارية» التي لا ينقطع أجرها حتى بعد وفاة صاحبها.
أنواع أخرى من الصدقة
وقد أوضح «مجمع البحوث الإسلامية» في منشور سابق له أن هناك أنواعًا كثيرة من «الصدقة» لا تحتاج إلى مال، بل تعتمد على النية والإخلاص والعمل الصالح، منها «مساعدة الملهوف» و«الأمر بالمعروف» و«الإمساك عن الشر» و«إماطة الأذى عن الطريق» و«زيارة المريض» و«رد السلام» و«إرشاد الرجل للطريق» و«بشاشة الوجه»، فكل هذه الأعمال اليومية البسيطة تعد في ميزان الله «صدقة» يتقرب بها العبد إلى ربه.
كما جاء في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما وقى به المرء عرضه كتب له به صدقة»، أي أن دفاع الإنسان عن شرفه أو عن أعراض الآخرين يعد في ذاته «صدقة»، لأنه حفظ لكرامة الناس، وكذلك من «الصدقة» أن تفرغ من دلوك في إناء أخيك، أي أن تشاركه الماء أو أي منفعة بسيطة مما تملك، لأن الإسلام دين التعاون والإيثار، وقد قال النبي: «كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك».
الصدقة في الحياة اليومية
ومن الأمور التي يغفل عنها الكثير من المسلمين أن «إفشاء السلام» بين الناس هو «صدقة»، لأنه يشيع روح الأمان والمحبة، كما أن «عيادة المريض» من أعظم القربات إلى الله، لأنها تواسي القلوب وتخفف الألم، وتُدخل السرور على نفس المريض، ومن «الصدقات» كذلك أن تمد يد العون لمن يحتاج، أو أن تدل التائه على الطريق، فكل معروف تقدمه لغيرك تجده عند الله مضاعفًا.
وقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «على كل مسلم في كل يوم صدقة»، فقالوا يا رسول الله ومن يطيق هذا؟ قال: «إن تسليمك على الرجل صدقة، وإماطتك الأذى عن الطريق صدقة، وعيادتك المريض صدقة، وإغاثتك الملهوف صدقة، وهدايتك الطريق صدقة، وكل معروف صدقة»، فالإسلام هنا يربط بين الحياة اليومية والعبادة، فكل لحظة يمكن أن تكون «صدقة» إن أخلص الإنسان فيها النية.
أهمية نية الصدقة
ولأن «الصدقة» ليست بالمال فقط، فإن النية تلعب دورًا أساسيًا في قبولها، فالعمل الصالح إذا نُوي به وجه الله صار «صدقة»، حتى لو كان عملاً بسيطًا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «نية المؤمن خير من عمله»، فكم من إنسان تصدق بمال كثير ولم يُقبل منه، وكم من آخر ابتسم أو أعان غيره فنال أجرًا عظيمًا، لأن الله ينظر إلى القلوب لا إلى الصور.
الصدقة سبيل للنجاة
وحث العلماء على الإكثار من «الصدقة» بالقول والعمل والنية، فكل ما تقدمه من خير سيعود إليك مضاعفًا، لأن الله تعالى قال في كتابه الكريم «وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا»، فالصدقة تحفظ الإنسان من البلاء وتزيد رزقه وتمحو ذنوبه، وهي سبب في رحمة الله للعباد، فالمسلم الحق لا ينتظر الغنى ليبدأ بالعطاء، بل يجعل من كل لحظة في حياته فرصة لـ«الصدقة».
مفهوم «الصدقة» في الإسلام أوسع بكثير مما يتخيله الناس، فهي تشمل المال والعمل والقول والنية، وتشمل الرحمة والإحسان والإيثار، وهي طريق للفوز برضا الله وجنته، فاجعل كل فعل جميل وكل كلمة طيبة وكل مساعدة تقدمها للآخرين «صدقة» لك في ميزان الحسنات، واجعل من حياتك كلها ميدانًا للعطاء، فالله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.