«متلازمة القلب المكسور».. ترهق النساء وتفاجئ الرجال بمضاعفات قاتلة

القلب ليس فقط مضخة للدم بل هو أيضًا مركز للمشاعر والتفاعلات النفسية والعاطفية التي تترك أثرًا ملموسًا على الصحة الجسدية، ولعل أكثر ما يبرز هذا التفاعل الغريب بين العاطفة والجسد هو ما يُعرف طبيًا باسم «متلازمة القلب المكسور» وهي حالة قلبية نادرة نسبيًا لكنها تحمل طابعًا دراميًا ومفاجئًا خاصة أنها ترتبط بالمشاعر الحادة مثل الحزن المفاجئ أو الصدمة النفسية أو حتى الفرح الشديد.
ما هي «متلازمة القلب المكسور»؟
«متلازمة القلب المكسور» أو ما يُعرف طبيًا بـ Takotsubo Cardiomyopathy تُعد اضطرابًا مؤقتًا في وظيفة القلب يحدث عادة بعد تعرض الشخص لحدث نفسي صادم أو مشاعر قوية غير متوقعة، وتتشابه أعراض هذه الحالة مع أعراض النوبة القلبية مما يسبب قلقًا فوريًا للمريض والطبيب على حد سواء، لكنها تختلف عن النوبة القلبية في أن الشرايين التاجية في القلب تكون سليمة ولا تحتوي على انسدادات، ويكمن الخطر في أن «متلازمة القلب المكسور» قد تُضعف عضلة القلب مؤقتًا وتُحدث تغيرًا في شكل البطين الأيسر مما يؤدي إلى أعراض قد تكون مهددة للحياة.
لماذا تصيب النساء أكثر؟
تشير الإحصاءات الطبية إلى أن نسبة الإصابة بـ«متلازمة القلب المكسور» بين النساء أعلى بكثير مقارنة بالرجال، خاصة لدى النساء بعد سن اليأس، ويُعتقد أن التغيرات الهرمونية التي تحدث بعد انقطاع الطمث تلعب دورًا رئيسيًا في جعل القلب أكثر حساسية للتغيرات العاطفية، إضافة إلى أن نمط التعامل العاطفي لدى النساء يجعلهن أكثر عرضة لتأثيرات «الضغط النفسي» المفاجئ مما يجعل «القلب» يتفاعل بشكل غير متوقع.
الرجال والمضاعفات القاتلة
رغم أن الرجال أقل عرضة للإصابة بـ«متلازمة القلب المكسور» مقارنة بالنساء، فإن الدراسات الحديثة تشير إلى أن نسبة الوفيات بين الرجال المصابين بهذه المتلازمة أعلى بكثير، ويعود ذلك إلى أن الأعراض لدى الرجال غالبًا ما تكون أشد وأكثر تطورًا، كما أن تشخيص الحالة قد يتأخر نتيجة عدم ربط الأعراض بالتوتر النفسي أو الصدمات العاطفية مما يؤدي إلى تفاقم الحالة قبل تقديم العلاج المناسب، وقد يحدث فشل حاد في عضلة «القلب» أو اضطرابات خطيرة في النبض أو حتى توقف مفاجئ في وظائفه.
أعراض يجب الحذر منها
تشمل أعراض «متلازمة القلب المكسور» ألمًا مفاجئًا في الصدر، وضيقًا في التنفس، وقد يشعر المصاب بدوخة شديدة أو فقدان للوعي، ومن اللافت أن هذه الأعراض تظهر غالبًا بعد دقائق أو ساعات من التعرض لحالة عاطفية قوية مثل وفاة شخص عزيز أو سماع خبر صادم أو حتى الخوف الشديد، ويجب التوجه إلى المستشفى فورًا عند ظهور هذه العلامات لأن التفريق بين «القلب المكسور» والنوبة القلبية يتطلب فحوصات دقيقة تشمل تخطيط القلب وتحاليل الإنزيمات القلبية وتصوير بالأشعة فوق الصوتية.
كيف تؤثر المشاعر على القلب؟
تتفاعل المشاعر مع «القلب» عبر الجهاز العصبي اللاإرادي الذي ينظم ضربات القلب وتقلصاته، وعندما يتعرض الشخص لصدمة عاطفية شديدة، يُفرز الجسم كميات هائلة من هرمونات التوتر مثل الأدرينالين والكورتيزول، وهذه المواد الكيميائية قد تؤثر على وظيفة عضلة «القلب» وتُحدث اضطرابًا في تدفق الدم داخل البطين الأيسر، ومن هنا يحدث ما يُعرف بتغير شكل «القلب» إلى ما يشبه إناء الصيد الياباني “تاكوتسوبو” وهو السبب في التسمية الطبية لهذه المتلازمة.
التشخيص والعلاج
رغم أن «متلازمة القلب المكسور» تبدو مرعبة، فإن علاجها غالبًا ما يكون فعالًا إذا تم تشخيصها مبكرًا، ويشمل العلاج الراحة التامة، واستخدام أدوية تساعد على دعم وظيفة «القلب» مثل مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين وحاصرات بيتا، كما يُنصح المرضى بتجنب التوتر النفسي والبحث عن وسائل استرخاء مثل العلاج النفسي أو ممارسة اليوغا والتأمل، وتستعيد أغلب الحالات وظيفة «القلب» الطبيعية خلال أسابيع قليلة، لكن تكرار المتلازمة قد يحدث إذا لم يتم التحكم في مسببات التوتر أو الصدمات العاطفية.
وقاية مشاعرنا لحماية قلوبنا
إن «القلب» ليس عضوًا ميكانيكيًا فحسب بل هو كيان يتأثر بما نحمله من مشاعر وتجارب يومية، ومن المهم أن نتعلم كيفية التعامل مع الصدمات العاطفية بطريقة صحية وأن نمنح أنفسنا الوقت والمساحة للراحة النفسية، كما يجب ألا نستهين بتأثير التوتر المزمن على صحة «القلب» وأن نطلب الدعم النفسي عند الحاجة دون تردد، فمن خلال الحماية النفسية نحمي «القلب» من الانهيار الجسدي.
توعية مجتمعية مطلوبة
لا تزال «متلازمة القلب المكسور» غير معروفة بالشكل الكافي في المجتمعات العربية، ويُعد نشر الوعي بها ضرورة خاصة في ظل الضغوط النفسية المتزايدة، وعلى وسائل الإعلام والأطباء والمراكز الصحية دور كبير في توضيح خطورة هذه الحالة وأهمية التفريق بينها وبين الأزمات القلبية المعتادة، وكذلك أهمية إدماج التقييم النفسي ضمن فحوصات صحة «القلب».
«متلازمة القلب المكسور» تذكرة بأن الجسد والنفس لا ينفصلان، وأن الألم النفسي قد يكون له وقع قاتل إذا لم يتم احتواؤه، فالعناية بـ«القلب» لا تقتصر على الغذاء والرياضة فقط بل تشمل أيضًا رعاية المشاعر وتفريغ الضغوط، لأن «القلب» المكسور قد لا يُشفى إذا تُرك بلا رعاية ولا اهتمام.