سعاد حسني .. السندريلا التي جمعت بين جمال الشاشة ووجع الحياة

تحل اليوم ذكرى وفاة الفنانة سعاد حسني، أو كما يلقبها الجمهور العربي بـ«السندريلا»، تلك الموهبة الاستثنائية التي حفرت اسمها بأحرف من ذهب في تاريخ السينما المصرية والعربية، بصوتها الرقيق وابتسامتها الآسرة، وموهبتها التي جعلت منها إحدى أكثر النجمات تأثيرًا في وجدان الجمهور حتى بعد أكثر من عقدين على رحيلها الغامض والموجع.
«السندريلا».. الوجه الحالم للمرأة المصرية
منذ ظهورها الأول على شاشة السينما، سحرت سعاد حسني الجمهور بجمالها الطبيعي وعفويتها المتدفقة، فلم تكن مجرد فنانة جميلة بل جسدت بصدق أوجه متعددة للمرأة المصرية، ما بين الريفية البسيطة والعصرية المتحررة، فبدت قريبة من الجميع، ابنة الحارة، وحبيبة القلب، وأيقونة الأنوثة والتمرد والرومانسية.
نجحت سعاد حسني خلال مشوارها الفني في أن تكون صوت المرأة المعبرة عن قضاياها وأحلامها، فخلقت من كل دور حكاية خالدة.
قدمت الفتاة الدلوعة في أفلام مثل «حسن ونعيمة» و«الزواج على الطريقة الحديثة»، والبنت المتمردة في «أميرة حبي أنا» و«خلي بالك من زوزو»، والمرأة المجروحة نفسيًا في «بئر الحرمان»، والسيدة الطموحة الحالمة في «هو وهي» مع الراحل أحمد زكي، الذي شكلت معه ثنائيًا فنيًا نادرا.
لقاء نادر.. إحراج بريء على الهواء
من اللقاءات التي لا تُنسى في مشوار السندريلا، ظهورها التليفزيوني مع الفنانة ميرفت أمين في بداياتها، حين كانت تقدم برنامج «سينما القاهرة» على شاشة التليفزيون المصري.
وخلال اللقاء تحدثت سعاد ببساطتها المعهودة عن فوزها بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم «شروق وغروب»، كما استعرضت رؤيتها لاختيار أدوارها المقبلة.
لكن أكثر ما لفت انتباه الجمهور في هذا الحوار كان سؤالًا شخصيًا من ميرفت أمين إلى سعاد، التي كانت آنذاك متزوجة من المخرج علي بدرخان، حيث سألتها: «مش ناوية تبقي أم قريب؟»، وهو ما أحرج سعاد للحظة، لكنها أجابت بابتسامة خجولة: «ناوية إن شاء الله.. بس لما ربنا يريد».
هذا الموقف البسيط ظل محفورًا في ذاكرة محبيها كأحد المواقف العفوية التي أظهرت مدى إنسانيتها ورقتها.
موهبة بـ1000 وجه
كانت سعاد حسني بحق ممثلة بـ«ألف وجه»، كما وصفها النقاد، لم تُحصَر في نوع واحد من الأدوار، بل خاضت كل الألوان ببراعة، من الكوميديا إلى الدراما، ومن الرومانسية إلى السيكودراما.
واستطاعت أن تتلون بين الفتاة الحالمة والبنت الشعبية والزوجة الحزينة والموظفة المكافحة.
كما تركت بصمة قوية في كل شخصية جسدتها، فكانت كل شخصية لها نبض مختلف، حتى أن بعض الأفلام لا يمكن تخيلها دون وجودها، كـ«صغيرة على الحب»، و«الكرنك»، و«الزوجة الثانية»، و«غروب وشروق»، وغيرها من العلامات الفارقة في السينما المصرية.
نجوم وقامات.. وقفوا أمامها
وقفت سعاد أمام نخبة من عمالقة التمثيل، فجمعتها الشاشة بكبار النجوم مثل: رشدي أباظة، أحمد مظهر، عماد حمدي، يوسف وهبي، عادل إمام، نور الشريف، حسن يوسف، حسين فهمي، ويوسف شعبان، وغيرهم.
ولم يكن الأمر مجرد «وقوف أمام الكاميرا»، بل شاركتهم الأداء بندية وإتقان، فكانت بطلة حقيقية لمشاهدهم الكبرى.
أما من حيث الإخراج، فقد عملت مع كبار مخرجي السينما المصرية، مثل يوسف شاهين، علي بدرخان، أشرف فهمي، سمير سيف، كمال الشيخ، وصلاح أبو سيف، والذين أدركوا جميعًا ثراء طاقتها الفنية وقدرتها على التقمص الخلّاق.
غياب مؤلم.. وحضور لا يزول
رحلت سعاد حسني في ظروف لا تزال غامضة حتى اليوم، بعد سقوطها من شرفة منزلها في لندن في 21 يونيو عام 2001، لكن الغموض لم يُطفئ نورها، ولم يقلل من مكانتها في قلوب الملايين.
بل زادت الأسئلة حول رحيلها من الأسى والحنين، وخلدت ذكراها كشخصية استثنائية، ظلت حتى اللحظة الأخيرة لغزًا فنيًا وإنسانيًا.
في ذكرى رحيلها، لا يزال صوتها يغني في أذن الزمن: «الدنيا ربيع.. والجو بديع»، لتبقى سعاد حسني ليست مجرد فنانة رحلت، بل وجدان أمة، وصوت أنثوي دافئ ظل يرافق المصريين في حبهم وحزنهم، في أفراحهم وأحلامهم.