هل يمكن للسحر أن يعطل الزواج؟.. الأزهر يرد على التساؤلات

الأزهر يوضح مفهوماً شرعياً مهماً بخصوص الزواج وتأخّره، وذلك بعد سؤال من فتاة تبلغ من العمر خمسة وثلاثين عاماً لم تتزوج رغم انتهاء خطبتها بعقد قرآن، واشتبهت أن «السحر» قد يكون السبب في عدم تيسير أمر زواجها.
مقادير الله وحدها تحكم الزواج
أوضح الدكتور عطية لاشين أستاذ الفقه بجامعة الأزهر أن الزواج وغيره من أمور الإنسان كلها مقضية ومقدرة من الله تعالى، ومن يأخذ بخبر القرآن يجد قوله تعالى «وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم» مؤكداً أن الزواج من هذه المصاديق.
كما أشار إلى قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم «لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها فاتقوا الله وأحسنوا في الطلب» مشدداً على أن طلب الزواج مرتبط بالتقوى والاجتهاد في السعي.
وأضاف أن الله سبحانه قال «إنّا كل شيء خلقناه بقدر» و«الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار» موضحاً أن كل فرد مسكوت عنه من الله حتى يحين وقته.
كما ذكر إن الله قد كتب لكل نفس أجلاً معينًا ولم يصب أحد في الأرض أو في نفسه إلا بما كتب الله له «وما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله» مؤكداً أن الزواج وغيره من المقادير لا يستطيع أحد تعطيلها.
الزواج حق طبيعي لكل فتاة
أكد أستاذ الأزهر أن التفكير في الزواج حق مشروع لكل فتاة وأن تأخّره لا يعني بالضرورة وجود سبب خفي مثل السحر، فمن الطبيعي أن يحزن القلب عند عدم تيسير أمر الزواج أو فشل الخطبة ولكن لا يجوز ربط ذلك بأمور لا دليل عليها.
وطالب بعدم اعتبار تأخير الزواج دليلًا على فرض سحر أو مسّ من الجن أو الشياطين، وذلك لأن كل ما يصيب الإنسان من خير أو شر يمضي بتقدير الله عز وجل لا بوسيلة خارقة جاءت من أحد.
السحر ليس مسيطراً على مقادير الزواج
نفى لاشين أن يكون للسحر تأثير يجعل آدمية عاجزة عن الزواج، وأكد أن القرآن يثبت وجود السحر ولكن حصر الأثر في الإذن الإلهي فقط، فحتى لو قام سحرة بأعمالهم فإنها لا تُحدث من دون إذن الله.
واستشهد بقوله تعالى «وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله» ليبرهن أن العمل السحري إن تمت له طاقة فإنما هي بإذن الخالق لا بغيره.
وأوضح أن الساحر لا يستطيع أن يمنع رزق أو زواج طالما أن الله قد كتب التدبير ليخرج إلى حيز الوجود.
الحرمة الشرعية للانسياق وراء الخوف من السحر
شدّد أستاذ جامعة الأزهر على أن التعلق بمثل هذه الأوهام محرم شرعاً، لأنها تُورّط صاحبتها في الاعتقاد بغير الله وبقدرة بشر على تغيير مقادير الإله، كما أنها قد تدفع الإنسان للجوء إلى أسباب محرمة أو خاطئة من باب الخوف والهلع.
وأشار إلى أن اليأس وعدم الاستقرار النفسي الذي ينجم عن تلك الأفكار يمكن أن يؤدي إلى مشكلات نفسية واجتماعية أكثر من عدم الزواج ذاته.
العلاج الروحي والنفسي للتفكير السلبي
قدم لاشين نصائحه العملية لمعالجة القلق النفسي الناتج عن هذا التفكير بتطبيق العبادات الشرعية كأساس للسكينة، مثل الصبر، والصلاة، والذكر، وقراءة المعوذتين وسورة الإخلاص وآية الكرسي، مؤكداً أن هذه الأدعية مكيفة روحياً لرفع الظنون وتجديد الثقة بقضاء الله
كما أوصى بالمداومة على أدعية عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق» ثلاث مرات، و«أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة وكل عين لامة» ثلاث مرات مع إقامة ركعتين بنية قضاء الحاجة كمسلك لتهدئة النفس وتأكيد الإيمان بالقدير.
دور الأزهر في تصحيح المفاهيم الدينية
يجسّد هذا التوضيح من الأزهر دوره التربوي في تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الدين، فهو لا يكتفي بالفتوى بل يعمل على تبني خطاب متوازن يدفع نحو السكينة النفسية والتفاؤل بمشيئة رب العالمين، مع الحفاظ على الثقة بالله وحده دون الاعتماد على الخدع والخرافات
كما يبرز الدور الكبير للمؤسسات الدينية في توجيه الناس بعيداً عن الخرافات وانتشالهم من الأفكار الضارة التي قد تدفعهم للانصياع خلف بشر يدعون السيطرة على الأقدار.
في النهاية، يخلص أستاذ جامعة الأزهر إلى أن تأخير الزواج أو فشل الخطبة لا يجوز بحال نسبته إلى السحر أو جني أو كائن خارق، بل يجب على الإنسان أن يرجع في سبب مصيبته ومسره إلى الله ويسعى بالأسباب المشروعة الداعمة له.
ويؤكد أن الرجوع للطبيب النفسي أو المعالج الروحي يمثل سبيلًا سليمًا عندما يسيطر القلق النفسي أو التعلق بتلك الأفكار.
وبذلك يبقى مبدأ حكمة الأزهر هو أن تكون الفتوى نافعة ومطمئنة، وتقود الناس نحو الاستقامة والتفاؤل بالقدر وأنا معهم.