حلال أم حرام؟.. الإفتاء توضح الرأي الشرعي حول حكم الاقتراض لبدء مشروع
في إطار سعي دار الإفتاء المصرية المستمر لتوضيح الأحكام الشرعية المتعلقة بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تهم المواطن المصري، قامت الدار بالإجابة على أحد الأسئلة الشائكة التي تتعلق بحكم الاقتراض من البنوك لأغراض مختلفة، مثل تمويل المشروعات الشخصية.
القرض المحرم والتمويل الجائز
وجاءت هذه الإجابة خلال فيديو بث مباشر عبر الصفحة الرسمية لدار الإفتاء على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، حيث قدم الدكتور محمد وسام، مدير إدارة الفتوى المكتوبة، توضيحًا مفصلًا حول هذا الموضوع، ليوضح الفارق بين القرض المحرم والتمويل الجائز شرعًا.
وأوضح الدكتور محمد وسام أن الاقتراض لفتح مشروع يعتبر تمويلًا مشروعًا ولا يعد قرضًا محرمًا بالمعنى الشرعي التقليدي، وأشار إلى أن ما يُعرف في الفقه الإسلامي بالقرض الحسن هو قرض يتم منحه لغرض التبرع.
حيث يُعطى الشخص المال لمساعدة شخص آخر على سد حاجته، دون فرض أي فوائد أو مكاسب مادية على المبلغ المعار، واستدل وسام على ذلك بقوله تعالى: “وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ” (البقرة: 280)، مشددًا على أن القرض الحسن في صورته المعتادة لا يتم من خلال البنوك أو المؤسسات المالية التجارية، بل يمكن أن يُتاح عبر الجمعيات الخيرية أو من خلال الأفراد الذين يسعون لمساعدة الآخرين.
وفي السياق ذاته، أكد وسام أن التمويل البنكي الذي يتم من خلاله تمويل المشروعات الخاصة، بشرط وجود دراسة جدوى واضحة للمشروع ومتابعة من قبل البنك، يُعتبر من الأنواع الجائزة شرعًا، وأوضح أن هذه المعاملات البنكية تختلف تمامًا عن القروض الشخصية التي يتم منحها دون دراسة واضحة أو هدف محدد، مثل القروض التي تُستخدم لتحسين مستوى المعيشة أو للرفاهية، حيث تعتبر هذه الأنواع من القروض محظورة شرعًا إلا في حالات الضرورة القصوى، وقال وسام إن التمويل البنكي الذي يهدف إلى إنشاء مشروع استثماري يُعد من الأفعال المباحة شرعًا لأنه يدخل ضمن إطار التمويل وليس القرض المحرم.
من جانبه، تحدث الدكتور محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء، عن القروض البنكية بشكل عام، موضحًا أن القروض يمكن أن تتخذ أشكالًا متعددة، بعضها جائز شرعًا والبعض الآخر محرم، وأشار شلبي إلى أن القروض التي تُستخدم لغرض تمويل مشروع أو شراء سيارة بشرط وجود دراسة جدوى واضحة وتوجيه من البنك تُعد من القروض الجائزة شرعًا، أما القروض الشخصية التي تُمنح دون دراسة جدوى وبدون غرض مشروع أو واضح، فهي تدخل ضمن القروض المحرمة، ولا يجوز اللجوء إليها إلا في حالات الحاجة الملحة، مثل الحاجة إلى العلاج أو السكن.
وفيما يخص حكم الاقتراض لأداء العمرة أو الحج، بيّن الدكتور أحمد ممدوح، مدير إدارة الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء، أنه يجوز للمسلم أن يقترض إذا كان لديه جزء من المال اللازم لأداء العمرة أو الحج، ولكنه يحتاج إلى الجزء الآخر، ومع ذلك نصح الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى، بعدم الاقتراض لأداء العمرة أو الحج، موضحًا أن الشريعة الإسلامية تشترط الاستطاعة المادية والبدنية لأداء هذه الشعائر، وأن الحج ليس فرضًا على من لا يستطيع أداءه.
أما عن الاقتراض من أجل الزواج، فقد أوضح الدكتور محمود شلبي أن الأصل في القروض أنها لا تجوز إلا في الحالات الضرورية أو الحالات التي تتطلب تيسيرًا، مثل علاج المرض أو توفير سكن، وأضاف أن الزواج قد يكون من الحالات التي يجوز فيها الاقتراض، بشرط أن يكون القرض في حدود الحاجة الفعلية فقط، وأن لا يتم تحميل الشخص أعباء مالية غير ضرورية.
وفيما يتعلق بكفارة الاقتراض غير المشروع، أكد الدكتور شلبي أن الاقتراض دون حاجة أو ضرورة يعد مخالفة شرعية، وعلى من يقوم بذلك أن يستغفر الله ويتوب إليه، وأشار إلى أن التوبة النصوح من مثل هذه الأعمال مقبولة عند الله، موضحًا أنه إذا كان الاقتراض لتحسين مستوى المعيشة أو لتمويل مشروع حيوي، وليس بهدف الرفاهية أو التبذير، فإن هذا لا يعد محرمًا، ويُعتبر من صور التمويل المشروع.
وفي الختام، أكدت دار الإفتاء المصرية على أن كل ما يتعلق بالتمويل أو الاقتراض يجب أن يتم وفقًا للضوابط الشرعية التي تحرص على عدم التسبب في أية مشقة أو أضرار للمستفيد من القرض.