في ظل تصاعد التهديدات.. بولندا تدعو لتحرك دفاعي أوروبي موحد

طالب وزير مالية بولندا «أندريه دومانسكي»، دول الاتحاد الأوروبي، باتخاذ خطوات حاسمة لزيادة الإنفاق الدفاعي، في ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة وتحديات الأمن العالمي، وجاءت تصريحاته خلال مشاركته في اجتماعات الربيع لصناع القرار في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في العاصمة الأمريكية واشنطن.

قال دومانسكي لوكالة «ريا نوفوستي» الروسية: «دعونا نكون جادين. نحن بحاجة إلى زيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي، هذا أمر واضح». وأضاف أن هذا التوجه لا بد أن يكون مشتركًا بين دول الاتحاد الأوروبي، رغم التفاوت في الحيز المالي المتاح لدى كل دولة.

أوروبا تواجه اختبارات أمنية.. وبولندا ترفع صوتها

تشير تصريحات وزير المالية البولندي إلى رغبة متزايدة لدى بولندا في الدفع نحو موقف أوروبي موحد تجاه الإنفاق العسكري، خاصة في ظل ما تشهده القارة من صراعات ونزاعات، أبرزها الحرب المستمرة في أوكرانيا، وتصاعد التوتر مع روسيا.

وتسعى وارسو، التي تشغل حاليًا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي لمدة 6 أشهر منذ بداية يناير، إلى استخدام هذا المنصب المؤثر للضغط على الدول الأعضاء لزيادة مخصصات الدفاع ضمن ميزانية الاتحاد المقبلة.

بولندا تسجل أعلى نسبة إنفاق دفاعي في أوروبا

لم تكتف بولندا بالدعوات الخطابية، بل عمدت إلى اتخاذ إجراءات عملية على أرض الواقع، فقد بلغت نسبة الإنفاق الدفاعي البولندي 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي النسبة الأعلى بين جميع دول الاتحاد الأوروبي ودول حلف شمال الأطلسي «الناتو».

وتخطط الحكومة البولندية لرفع هذه النسبة إلى 4.7% خلال العام المقبل، ما يعكس التزامًا استراتيجيًا طويل الأمد بتعزيز قدراتها الدفاعية، وتوجيه رسالة واضحة إلى شركائها الأوروبيين والدوليين.

ترامب يضغط.. وبولندا تؤيد

في يناير الماضي، أعلنت بولندا دعمها للمطالبات التي أطلقها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، والتي دعا خلالها إلى رفع الحد الأدنى لإنفاق الدول الأعضاء في الناتو على الدفاع إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، بدلاً من النسبة الحالية المحددة بـ2%.

وكان ترامب قد كرر مرارًا خلال حملته الانتخابية انتقاداته لحلفاء الولايات المتحدة في «الناتو»، واتهمهم بعدم الالتزام بتقاسم أعباء الدفاع الجماعي، مؤكدًا أن بلاده لا يمكن أن تتحمل التكاليف بمفردها.

إنفاق 100 مليار يورو من ميزانية الاتحاد الأوروبي على الدفاع

ضمن رؤيتها الطموحة، طرحت بولندا مقترحًا يقضي بتخصيص 100 مليار يورو من الميزانية الأوروبية المشتركة المقبلة لصالح الإنفاق الدفاعي.

 وتهدف هذه الخطوة إلى تعزيز التعاون الدفاعي المشترك ورفع جاهزية الاتحاد الأوروبي لمواجهة التهديدات الخارجية، دون الاعتماد المفرط على الدعم الأمريكي.

وأشار دومانسكي إلى أن الوضع الجيوسياسي الحالي يحتم على أوروبا أن تكون مستعدة لأي سيناريوهات، وأن تبني قدراتها الذاتية دون الاعتماد الكامل على الحماية الأمريكية، خاصة في ظل التغيرات السياسية داخل الولايات المتحدة.

الناتو: 23 دولة ستلتزم بـ2% في 2024

من جهة أخرى، أوضح تقرير صادر عن حلف «الناتو» العام الماضي، أن 23 دولة من الأعضاء يتوقع أن تلتزم بالهدف المتمثل في تخصيص 2% من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق الدفاعي بحلول عام 2024 أو تجاوزه، وهو ما يمثل ارتفاعًا ملحوظًا مقارنة بالسنوات الماضية.

في المقابل، ورغم أن الولايات المتحدة تظل أكبر دولة إنفاقًا في الحلف، فإن إنفاقها الدفاعي يمثل نحو 3.38% فقط من الناتج المحلي، أي أقل بكثير من النسبة التي يطالب بها ترامب (5%).

بولندا.. من الخط الأمامي إلى صدارة صناع القرار

تعكس هذه التحركات كيف تسعى بولندا لتحول جذري في موقعها ضمن الاتحاد الأوروبي والناتو، فهي لم تعد تكتفي بلعب دور «الخط الأمامي» في مواجهة روسيا على حدودها الشرقية، بل تحاول الآن قيادة أجندة الدفاع الأوروبية.

ويقول مراقبون إن زيادة النفوذ البولندي في السياسة الدفاعية الأوروبية قد تعيد رسم توازنات القوة داخل الاتحاد، خاصة مع تصاعد دور دول أوروبا الشرقية بعد غزو أوكرانيا، في مقابل تراجع التأثير النسبي لبعض الدول الكبرى المترددة في رفع الإنفاق الدفاعي.