أعراض متشابهة ومضاعفات مختلفة.. طبيب يكشف الفرق بين «كوكساكي والجديري»

أعراض الأمراض الجلدية الفيروسية كثيرًا ما تُربك الأمهات، خاصة حين تبدأ الطفولة المبكرة بإظهار بثور حمراء وارتفاع في درجات الحرارة، فيهرع الوالدان إلى الطبيب، بينما يختلط عليهم التمييز بين «فيروس كوكساكي» و«الجديري المائي»، وهما من أكثر الفيروسات التي تُحدث تشابهًا كبيرًا في العرض الظاهري للطفح الجلدي والحمى، لكن خلف هذا التشابه، يكمن اختلاف كبير في الأسباب وطريقة العدوى والمضاعفات، وهو ما حاول القارئ نيوز التحقق منه من خلال الرجوع إلى رأي طبي متخصص، للكشف عن الفرق بين الحالتين، وكيف يمكن للأسرة أن تتعامل مع هذه «الأعراض المتشابهة».
تشابه خارجي واختلاف داخلي
في البداية، أوضح الدكتور محمد عبد الحميد، استشاري طب الأطفال، أن كثيرًا من حالات «فيروس كوكساكي» يتم تشخيصها بالخطأ على أنها «جديري مائي» والعكس، والسبب يعود إلى أن «الأعراض الجلدية» في كلا المرضين تتشابه من حيث وجود بثور وطفح جلدي وحكة خفيفة، لكن «الأعراض الأخرى» والمضاعفات هي ما تحدد طبيعة الفيروس.
ففي حالة «كوكساكي» تظهر «الأعراض» على هيئة «بثور مؤلمة» داخل الفم وعلى باطن اليدين والقدمين، وهي السمة المميزة لما يُعرف علميًا باسم «مرض اليد والقدم والفم»، كما تصاحبها في كثير من الأحيان ارتفاع في درجة الحرارة وتقرحات بالفم تجعل من تناول الطعام عملية مؤلمة للطفل.
أما في حالة «الجديري المائي»، فتكون «الأعراض» أكثر شمولًا وانتشارًا بالجسم، إذ يبدأ الطفح على الوجه ثم ينتشر تدريجيًا ليغطي الجسم بالكامل، كما تكون الحكة شديدة، والبثور مائية أكثر وضوحًا، وتظهر على هيئة فقاعات صغيرة قد تنفجر وتُكوّن قشورًا.
كيف تحدث العدوى؟
يشير الدكتور محمد إلى أن «أعراض العدوى» الفيروسية لا تُحدد فقط ما إذا كان الطفل مصابًا بكوكساكي أو بالجديري، بل إن طبيعة العدوى وانتقالها تختلف بين الفيروسين، فـ«فيروس كوكساكي» ينتقل عن طريق الرذاذ التنفسي أو ملامسة اللعاب والبراز، لذلك فهو شائع في الحضانات والمراكز المغلقة، أما «الجديري المائي» فينتقل عبر الرذاذ المباشر من المصابين، ويُعد من الأمراض التي تتمتع بدرجة عدوى مرتفعة جدًا.
وأضاف أن الفرق في طريقة الانتقال يجعل توقيت العزل الطبي مختلفًا، إذ يُفضل إبقاء طفل «كوكساكي» في المنزل حتى زوال «الأعراض الجلدية» والتقرحات، في حين يُطلب عزل الطفل المصاب بـ«الجديري» حتى تسقط القشور تمامًا، لأن الفيروس يظل معديًا حتى آخر مرحلة.
مدة المرض والمضاعفات
يؤكد الطبيب أن مدة المرض تختلف نسبيًا بين الحالتين، فرغم أن «أعراض كوكساكي» قد تستمر من 7 إلى 10 أيام، فإنها غالبًا ما تمر دون مضاعفات خطيرة، باستثناء بعض الحالات التي قد تُصاب بجفاف بسبب صعوبة التغذية، أو التهابات في الأظافر بعد الشفاء.
أما «الجديري المائي»، فقد يطول لفترة تتراوح بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع في بعض الحالات، وتزداد احتمالية المضاعفات خاصة لدى الأطفال الذين يعانون من ضعف المناعة أو المصابين بأمراض مزمنة، ومن أشهر المضاعفات التي تحدث هي التهاب الرئة أو التهاب الدماغ في حالات نادرة، كما قد يترك الجديري آثارًا دائمة على الجلد عند حك البثور بعنف.
متى تذهب إلى الطبيب؟
يشدد الدكتور عبد الحميد على ضرورة عدم تجاهل «أعراض الطفح الجلدي» المصحوبة بحمى، خصوصًا إذا كانت تظهر في مناطق الفم أو اليدين، لأن تأخر التشخيص قد يؤدي إلى معاناة الطفل دون داعٍ، ويجب التوجه فورًا للطبيب إذا صاحب الطفح أعراض مثل «القيء المستمر»، «الخمول»، «آلام العضلات»، أو أي تغير في وعي الطفل.
وأضاف أن تشخيص الطبيب لا يعتمد فقط على شكل الطفح، بل يشمل التقييم الكامل لحالة الطفل، ووجود «أعراض أخرى» مثل قرح الفم أو مدى انتشار الطفح، ومدى تجاوبه مع خوافض الحرارة، مشيرًا إلى أن بعض الحالات تتطلب تحاليل إضافية إذا كانت الأعراض غير حاسمة.
ما العلاج المناسب؟
على الرغم من أن «كوكساكي» و«الجديري» كلاهما فيروسات لا يوجد لهما علاج نوعي مباشر، فإن الرعاية المنزلية تلعب دورًا كبيرًا في التعافي، فبالنسبة لـ«كوكساكي» يتم التركيز على التغذية السائلة، وتخفيف الألم داخل الفم عبر المسكنات الآمنة، بينما في «الجديري» تكون العناية بالبثور ومنع الحك هي الخطوة الأساسية، وقد يُوصى بكريمات موضعية لتقليل الحكة.
ويُنصح كذلك بإبقاء الطفل في بيئة نظيفة، مع غسل اليدين باستمرار، وتهوية الغرفة، والابتعاد عن الأطفال الآخرين حتى اختفاء الأعراض بالكامل، للحفاظ على صحة المحيطين ومنع انتشار العدوى.
هل يمكن الوقاية من المرضين؟
يرى الأطباء أن الوقاية تبدأ بالتوعية، فالتفريق بين «أعراض المرض» يجعل الأهل أكثر قدرة على اتخاذ قرار مبكر بالعزل أو العرض على الطبيب، كما أن التطعيم ضد الجديري المائي أصبح متاحًا في كثير من البلدان، ويُوصى به للأطفال، خاصة أولئك الذين لم يصابوا به من قبل.
أما «كوكساكي»، فلا يوجد له تطعيم حتى الآن، لكن الوقاية منه تعتمد على النظافة الشخصية، وعدم مشاركة الأدوات بين الأطفال، وتجنب الأماكن المزدحمة قدر الإمكان خلال فترات الانتشار الموسمي للفيروس، والتي تزداد عادة في فصل الصيف.
يتبين من خلال التحليل الطبي أن «أعراض كوكساكي» و«أعراض الجديري المائي» تتشابه على مستوى الجلد، لكنها تختلف كثيرًا من حيث مكان الظهور، الأعراض المصاحبة، وطريقة الانتقال، ما يجعل التمييز بينهما مهمًا لتفادي المضاعفات والعلاج الخاطئ، وتبقى مسؤولية الأهل في متابعة الأطفال ورصد الأعراض المبكرة هي مفتاح السلامة.
فإذا لاحظت أن طفلك يعاني من طفح جلدي مصحوب بـ«أعراض غريبة»، فلا تتردد في استشارة الطبيب، فالفارق بين عدوى بسيطة ومشكلة صحية ممتدة قد يكون في مجرد «تشخيص مبكر».