منظمة الصحة تحذر.. البكتيريا المقاومة للمضادات تهدد النظام الطبي بالكامل

البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية تواصل الانتشار بشكل متسارع ومقلق ما دفع «منظمة الصحة العالمية» إلى إطلاق تحذير شديد اللهجة من خطر داهم يهدد مستقبل الطب الحديث بأكمله، فقد أعلنت المنظمة أن «البكتيريا المقاومة» لم تعد مجرد خطر مستقبلي بل أصبحت واقعًا يفرض نفسه في المستشفيات والمجتمعات حول العالم، مؤكدة أن استمرار تفشي هذه الأنواع من البكتيريا يعني «انهيار النظام الطبي» القائم على المضادات الحيوية وفقدان القدرة على علاج العديد من الأمراض والعدوى الشائعة.
البكتيريا المقاومة.. أزمة صحية عالمية تلوح في الأفق
تشير التقارير الحديثة الصادرة عن منظمة الصحة إلى أن عددًا متزايدًا من سلالات البكتيريا أصبح غير مستجيب للمضادات الحيوية التقليدية، مما يؤدي إلى ارتفاع حالات العدوى التي يصعب علاجها، وقد يؤدي هذا إلى وفاة ملايين الأشخاص سنويًا بحلول عام 2050، وتؤكد المنظمة أن «البكتيريا المقاومة» تطورت بسرعة بسبب «الاستخدام المفرط» و«العشوائي» للمضادات الحيوية سواء في الإنسان أو الحيوان، ما سمح لها بتطوير آليات دفاعية معقدة تجعلها قادرة على النجاة ومواصلة التكاثر داخل جسم الإنسان رغم وجود الأدوية.
علاج بسيط قد يصبح مميتًا
كانت العمليات الجراحية والولادات القيصرية وزراعة الأعضاء وحتى بعض العلاجات الكيميائية تعتمد بشكل أساسي على فعالية المضادات الحيوية في منع العدوى، ولكن مع تصاعد مقاومة البكتيريا لهذه الأدوية، باتت تلك الإجراءات معرضة للفشل أو مضاعفات خطيرة، إذ تُشير منظمة الصحة إلى أن «عدوى بكتيرية بسيطة» مثل التهابات المسالك البولية أو التهابات الجروح قد تصبح في المستقبل القريب «قاتلة» بسبب عجز الأدوية عن السيطرة على انتشار البكتيريا.
المستشفيات في مرمى الخطر
المستشفيات باتت بؤرًا لتكاثر وانتقال البكتيريا المقاومة، خاصة مع ضعف تطبيق معايير النظافة والتعقيم في بعض المؤسسات الصحية، وتوضح البيانات أن العديد من المرضى يصابون بسلالات مقاومة أثناء وجودهم في المستشفيات بسبب العدوى المكتسبة من الأدوات أو الطاقم الطبي أو حتى من مرضى آخرين، وتُعد سلالات مثل الإيشيريشيا كولاي والبكتيريا العنقودية الذهبية من بين «أخطر أنواع البكتيريا المقاومة» التي تهدد حياة المرضى وتؤدي إلى فشل الأجهزة الحيوية.
سبب تطور البكتيريا المقاومة
يرجع تطور البكتيريا المقاومة إلى عدة عوامل، من أبرزها «الاستخدام غير الضروري للمضادات الحيوية» سواء من خلال وصفها للمرضى دون حاجة حقيقية أو صرفها دون وصفة طبية في بعض الدول، كما أن إيقاف العلاج قبل انتهاء المدة المحددة يساهم في عدم قتل جميع البكتيريا ما يسمح للباقي منها بتطوير مقاومة جديدة، إضافة إلى استخدام المضادات في تربية الحيوانات لزيادة النمو والوقاية من الأمراض مما يؤدي إلى دخول هذه المواد إلى جسم الإنسان من خلال الطعام.
تهديد للأمن الصحي العالمي
وصفت منظمة الصحة العالمية مقاومة البكتيريا بأنها «أحد أكبر التهديدات الصحية في القرن الحادي والعشرين»، حيث أن انتشار هذه البكتيريا يهدد بإفشال التقدم الطبي الذي تحقق على مدى عقود، ويزيد من كلفة العلاج والوقت اللازم للتعافي من الأمراض، كما أن ذلك يضغط على أنظمة الرعاية الصحية في الدول الفقيرة التي تفتقر إلى الموارد الكافية لمواجهة هذا الخطر، ما يؤدي إلى اتساع الفجوة الصحية بين الدول المتقدمة والدول النامية.
البحث عن حلول بديلة
تسعى الحكومات والمنظمات الدولية إلى تطوير بدائل جديدة للمضادات الحيوية مثل اللقاحات والبكتيريوفاج والعلاجات الجينية التي تستهدف البكتيريا دون التأثير على خلايا الإنسان، كما يتم العمل على تحسين أدوات التشخيص السريع لتحديد نوع البكتيريا واختيار العلاج الأنسب لها، ومن بين التوصيات المهمة أيضًا تشديد الرقابة على وصف المضادات الحيوية وتعزيز الوعي لدى المواطنين بعدم استخدامها إلا عند الضرورة وتحت إشراف طبي مباشر.
دعوة للعمل الجماعي
أكدت منظمة الصحة أن مواجهة خطر البكتيريا المقاومة يتطلب «جهودًا جماعية منسقة» تشمل الحكومات والأطباء والمزارعين والمواطنين، فالحد من هذه الظاهرة لا يتم فقط عبر تطوير أدوية جديدة بل عبر تبني سلوكيات صحية مسؤولة تشمل النظافة الجيدة، الالتزام بالجرعة الدوائية، التوقف عن شراء المضادات الحيوية دون وصفة، وتطبيق برامج التوعية في المدارس والمجتمعات حول خطورة هذا التهديد الصامت.
الرسالة الأخيرة من منظمة الصحة
دعت منظمة الصحة إلى اعتبار مقاومة البكتيريا «قضية أمن صحي» تستحق نفس مستوى الاهتمام والتمويل الموجه لمواجهة الأوبئة الكبرى مثل كورونا، مشددة على أن ما نواجهه ليس مجرد تحدٍّ طبي بل هو أزمة إنسانية تتطلب استجابة سريعة وعاجلة، فكل يوم يمر دون تدخل حقيقي يعزز من انتشار البكتيريا المقاومة ويقربنا من «عصر ما بعد المضادات الحيوية» الذي قد تُصبح فيه العدوى البسيطة مميتة.