الرئيس السيسي يوفد مندوبا لتقديم العزاء في رحيل محمد رياض شيخ الجغرافيين

السبت 23/أغسطس/2025 - 02:24 م

أوفد الرئيس عبد الفتاح السيسي، العميد وسام خالد محمد خالد، لتقديم واجب العزاء في وفاة الدكتور محمد رياض، أحد أبرز أعلام الجغرافيا في مصر والعالم العربي، والذي رحل عن عالمنا الأحد الماضي بعد مسيرة علمية وأكاديمية حافلة امتدت لعقود طويلة.

جاءت هذه اللفتة تقديرًا من الدولة المصرية للمكانة الكبيرة التي حظي بها الراحل، الذي يعد أحد الرموز الفكرية والعلمية التي ساهمت في إثراء العلوم الاجتماعية والجغرافية على مستوى مصر والعالم العربي.

شيخ الجغرافيين المصريين والعرب

ارتبط اسم الدكتور محمد رياض بلقب «شيخ الجغرافيين»، فقد كرّس حياته للبحث العلمي والتأليف والتدريس، وكان له تأثير كبير في تكوين أجيال من الباحثين والطلاب. وقد تميز بقدرته على الربط بين الجغرافيا والسياسة والاقتصاد، مما جعله مرجعًا أساسيًا في مجاله.

لم يقتصر دوره على الجانب الأكاديمي، بل كان صاحب رؤية تحليلية ساعدت في فهم الكثير من القضايا المصرية والعربية، لا سيما تلك المتعلقة بالجغرافيا السياسية والجغرافيا الحضارية، وهو ما جعل اسمه حاضرًا بقوة في المؤتمرات والمحافل العلمية الدولية.

مسيرة علمية ممتدة

ولد الدكتور محمد رياض في 18 سبتمبر عام 1927 بوسط القاهرة، حيث نشأ في بيئة مثقفة شجّعته على التميز العلمي، التحق بجامعة فؤاد الأول، وحصل على ليسانس الجغرافيا عام 1949.

بعد ذلك نال دبلوم الدراسات السودانية من معهد الدراسات السودانية عام 1951، في خطوة مبكرة عكست اهتمامه بدراسة الخصوصية الجغرافية والاجتماعية لمنطقة النوبة والسودان.

وفي عام 1956 حصل على درجة الدكتوراه في الأنثروبولوجيا من جامعة فيينا بالنمسا، وهو إنجاز علمي عزز مكانته بين الأكاديميين، حيث تمكن من الجمع بين الجغرافيا والأنثروبولوجيا في إطار بحثي متكامل.

التدريس والانتشار العلمي

بعد عودته من فيينا في يونيو 1956، التحق الدكتور محمد رياض بقسم الجغرافيا بكلية الآداب في جامعة عين شمس، وتدرج في المناصب الأكاديمية حتى وصل إلى درجة الأستاذية.

وكان له حضور مميز في المحاضرات، حيث جمع بين الدقة العلمية والقدرة على تبسيط المفاهيم لطلابه.

كما ساهم في التدريس بجامعات عربية عدة، أبرزها جامعة بيروت العربية وجامعة قطر، ما ساعد في نقل خبراته إلى خارج مصر، وتعزيز الروابط الأكاديمية بين المؤسسات العلمية العربية.

إرث علمي ثري

ترك الدكتور محمد رياض إرثًا علميًا ضخمًا، يضم عشرات الكتب ومئات المقالات، بالإضافة إلى ما يقرب من 250 بحثًا علميًا باللغتين العربية والإنجليزية.

وتناولت أبحاثه قضايا متعددة، من بينها دراسات حول مصر وإفريقيا والشرق الأوسط، إلى جانب مساهمات رائدة في فهم العلاقة بين الجغرافيا والسياسة.

ومن أبرز مؤلفاته كتاب رحلة في زمان النوبة، الذي شارك في تأليفه مع زوجته الدكتورة كوثر عبد الرسول، إلى جانب ثلاثة كتب بارزة تناولت القاهرة ومصر من جوانب جغرافية مختلفة.

كما أسهمت مؤلفاته في إثراء المكتبة الجغرافية العربية وفتح آفاق جديدة أمام الباحثين.

تكريم الدولة المصرية

تقديرًا لعطائه، حصل الدكتور محمد رياض عام 2017 على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية، اعترافًا بجهوده التي امتدت لعقود طويلة في خدمة العلم والمجتمع.

كما حظي بتكريم من مؤسسات أكاديمية عربية ودولية، تقديرًا لدوره في وضع أسس علمية حديثة للجغرافيا السياسية والحضارية.

معلم وأب للأجيال

لم يكن الدكتور محمد رياض مجرد باحث وأكاديمي، بل كان مربيًا لأجيال من الطلاب الذين ساروا على خطاه. وقد عُرف بتواضعه وحبه لطلابه، وكان حريصًا على تشجيعهم على البحث والتجريب والتحليل.

ومن خلال ذلك، أصبح قدوة ومُلهمًا للعديد من الباحثين الشباب في مصر والعالم العربي.

لقد امتد تأثيره إلى خارج حدود القاعات الجامعية، حيث كان حاضرًا في الندوات والحوارات الفكرية، مساهماً في تشكيل وعي علمي وجغرافي لدى المجتمع.

إرث باقٍ رغم الرحيل

رحيل الدكتور محمد رياض يمثل خسارة كبيرة للمجتمع العلمي والثقافي في مصر والعالم العربي، غير أن إرثه سيظل حيًا من خلال مؤلفاته وأبحاثه وطلابه الذين يحملون رسالته.

فقد كان مثالًا للعالم الذي جمع بين البحث الدؤوب والتواضع الإنساني، ليبقى حاضرًا في ذاكرة محبيه وزملائه وأبنائه من الطلاب.

إن وفاة شيخ الجغرافيين لا تعني نهاية مسيرته، بل بداية لمرحلة جديدة من استحضار إرثه والنهل من علمه، ليظل اسمه محفورًا في وجدان العلم العربي، وذكرى خالدة في سجل أعلام الفكر والجغرافيا.