كيف يتصرف المسلم إذا دخل المسجد والإمام في الركوع أو السجود؟

الإمام هو أول ما يلفت انتباه المتأخرين عن الجماعة عند دخولهم المسجد، وسؤال يتردد كثيرًا بين المصلين، خاصةً أولئك الذين يصلون متأخرين، فحين يرى أحدهم الإمام راكعًا أو ساجدًا أو حتى جالسًا، يتساءل عن كيفية الدخول في الصلاة، وما الحكم إذا أدرك جزءًا من الصلاة دون غيرها، وهل يُعتد بما أدركه مع الإمام أم لا، وللإجابة عن هذا التساؤل وغيره من الاستفسارات المرتبطة بالمسبوق، أصدر مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية توضيحًا شاملًا يُبيّن فيه هذه الأحكام، كما أوضحت دار الإفتاء المصرية الموقف الشرعي لمن أدرك الركعة الأخيرة من صلاة الجمعة
تكبيرتان للدخول مع الإمام
أوضح مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية أن المسلم إذا دخل المسجد وأدرك الإمام في حالة ركوع أو سجود أو جلوس، فعليه أن يكبر تكبيرتين، الأولى هي تكبيرة الإحرام وهي الركن الأساسي والواجب للدخول في الصلاة، أما الثانية فهي تكبيرة تهيئة، أي للانتقال إلى الوضع الذي فيه الإمام من ركوع أو سجود أو جلوس، فتكبيرة الإحرام لا تُجزئ عن تكبيرة الركوع أو غيره، وبالتالي فإن أداء التكبيرتين واجب على من أراد الالتحاق بالصلاة في مثل هذه الحالات، سواء كان الإمام في أول الصلاة أو في آخرها.
وأكد المركز في منشوره أن هذه الطريقة تضمن للمصلي الدخول السليم إلى الجماعة، خاصةً إذا كان الإمام قد سبق المصلين بعدة ركعات، ومن هنا جاءت أهمية متابعة الإمام بدقة، ومعرفة متى تُحتسب الركعة المدركة ومتى تُعتبر الصلاة قد فاتت، مع ضرورة أن يُراعي المسبوق الفرق بين الركعة المدركة والمقضية، لأن الإمام هو من يُحدد ترتيب الصلاة وأركانها بالتتابع، فيبني المسبوق صلاته بناءً على ما أدركه مع الإمام.
ماذا يفعل من أدرك الإمام راكعًا؟
أضاف مركز الأزهر أن ما يُدركه المصلي مع الإمام يُعد أول صلاته، ويُتابع الإمام في كل ما تبقى من أفعال الصلاة، فإن أدرك معه ركعة واحدة فقد أدرك فضل الجماعة، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء والمالكية أيضًا، أما ما يصليه بعد سلام الإمام فيُعتبر تكملة لصلاته وليس بداية لها، ولذلك يُنصح المسبوق دائمًا بالتركيز على أفعال الإمام والحرص على متابعته دون تأخير.
ويُشير هذا إلى أن الإمام ليس مجرد قائد للحركة داخل الصلاة، بل هو معيار شرعي تُبنى عليه صحة الصلاة من عدمها، فإذا أدركه المصلي راكعًا، وركع معه قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع، فإنه يُعتبر قد أدرك تلك الركعة، أما إذا ركع بعد أن رفع الإمام، فإن الركعة لا تُحسب له.
الإمام في صلاة الجمعة.. حالة خاصة تستوجب الانتباه
ومن جهة أخرى، تلقّت دار الإفتاء المصرية استفسارًا عن حكم من أدرك الإمام في الركعة الأخيرة من صلاة الجمعة، وهل يكمل صلاته ظهراً أم يضيف إليها ركعة واحدة فقط، وأوضح الدكتور أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن من لحق الإمام في الركعة الثانية من صلاة الجمعة وتمكن من الركوع معه، فقد أدرك الجمعة، ويكمل صلاته بعد تسليم الإمام بركعة واحدة فقط.
أما من دخل المسجد بعد قيام الإمام من الركوع في الركعة الثانية، أي أنه لم يدرك أي ركعة مع الإمام، فعليه أن يُصلي أربع ركعات ظهرًا، وذلك لأن إدراك الجمعة لا يتحقق إلا بإدراك ركعة كاملة مع الإمام، أي الركوع مع الإمام قبل أن يرفع.
وأشار الدكتور ممدوح إلى أن من فاتته الجمعة بسبب نوم أو عذر غير متعمد، فلا إثم عليه، لكن من تعمد التأخير فعليه التوبة والاستغفار، لأن صلاة الجمعة فريضة عظيمة لا يُستهان بها، وأن التقصير فيها يُعد ذنبًا كبيرًا ينبغي الاستدراك عنه.
الإمام مرآة المسبوق في الصلاة
وتكمن أهمية الإمام في أنه المرجع الحركي والشرعي للمسبوق، إذ لا يُعتد بأي ركعة لا تُدرك مع الإمام في وضع الركوع، وهو ما يتطلب من المسلم سرعة الانضمام للجماعة دون تباطؤ، لأن التأخر يعني إمكانية فقد فضل الجماعة، خصوصًا في صلاة الجمعة التي لا تُعوض إلا بصلاة الظهر.
كما أن الإمام يُحدد للمسبوق أين يبدأ ومتى يُتابع، فالمسبوق لا يُعيد ما فاته أولًا، بل يبني على ما أدركه مع الإمام، وما يصليه منفردًا بعد التسليم يُعد ختامًا لصلاته، وهذه المسألة كثيرًا ما تختلط على المصلين، إذ يظن البعض أن ما أدركوه هو نهاية الصلاة، والصحيح أنهم يبدأون بما أدركوه ويكملون ما فاتهم في النهاية.
الإمام هو القدوة والضابط الشرعي للصلاة
بما أن الصلاة الجماعية قائمة على ترتيب وانضباط، فإن الإمام يُعتبر هو الضابط لهذا الترتيب، ومتابعته بدقة تمنح الصلاة صفة الانسجام، كما أن الالتزام بأحكام المسبوق تضمن عدم فساد الصلاة، ومن هنا يُفهم أن الإمام ليس مجرد قارئ للقرآن، بل هو حامل لمسؤولية الجماعة بأكملها.
وقد شدد كل من الأزهر ودار الإفتاء على ضرورة توعية الناس بهذه الأحكام، لأن كثيرًا من المصلين يتعرضون لمثل هذه الحالات، ويقعون في حيرة من أمرهم، لا سيما إذا كانوا يجهلون كيفية التصرف حال دخولهم المسجد والإمام راكع أو ساجد.
متابعة الإمام عبادة في ذاتها
من الجدير بالذكر أن متابعة الإمام ليست فقط وسيلة لإدراك الصلاة صحيحة، بل هي عبادة في ذاتها، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «إنما جُعل الإمام ليؤتم به»، ولذلك فإن التزام المأموم بتعليمات الإمام وأفعاله يُعد من تمام الطاعة، والالتزام بمقاصد الشريعة في تنظيم الجماعة.
ومع هذه التوضيحات الصادرة عن الأزهر والإفتاء، بات من المهم لكل مسلم أن يُدرك أن الإمام هو البوصلة التي تُحدد مسار صلاته، وأن تقصيره في متابعة الإمام أو جهله بالأحكام قد يؤدي إلى ضياع فضل الجماعة، وهو ما يتنافى مع روح الإسلام التي تحث على الجماعة والالتزام والاقتداء.
وقد أجمع العلماء على أن متابعة الإمام أساس في صحة الصلاة، ومن أدرك الإمام في أي حال من أحواله فعليه أن يُكبّر تكبيرتين، ويُتابع الإمام، ويبني على ما أدركه، وهو ما يؤكد أن الإمام في الإسلام ليس مجرد منصب بل وظيفة شرعية عظيمة الأثر والمكانة.