السبت 19 أبريل 2025 الموافق 21 شوال 1446
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
عاجل

ما حكم إنهاء حياة مريض لا أمل في شفائه؟.. الإفتاء تجيب

إنهاء حياة مريض
إنهاء حياة مريض

الإفتاء المصرية تلقت سؤالًا يدور حول موقف الشرع من الطبيب الذي يُقدم على إنهاء حياة مريض فقد الأمل في الشفاء سواء تم ذلك بناءً على طلب مباشر من المريض نفسه أو بموافقة أحد أقربائه المقربين، وهو تساؤل أثار ضجة أخلاقية وإنسانية كبيرة في الأوساط الطبية والدينية والاجتماعية معًا، فهل يجوز للطبيب أن يُنهي حياة إنسان يعاني آلامًا مبرحة ولا أمل في علاجه؟ وهل يمكن اعتبار هذا الفعل نوعًا من الرحمة؟ أسئلة كثيرة سيحاول القارئ نيوز الإجابة عنها بالرجوع إلى ما قالته دار الإفتاء المصرية.

الفتوى الحاسمة من دار الإفتاء

دار الإفتاء أصدرت فتواها بشكل واضح وصريح مؤكدة أنه لا يحق لأي مريض ميؤوس من شفائه أن يُنهي حياته لا بنفسه ولا عبر وسيط طبي أو غير طبي مثل الطبيب أو الأهل، كما شددت على أن إنهاء الحياة لأي سبب من الأسباب يُعتبر من المحرمات الشرعية التي لا تقبل أي تبرير أو مخرج فقهي، وأوضحت الإفتاء أن الأمل في الله لا ينبغي أن يُنسى مهما اشتدت الظروف وتفاقمت الآلام فلطالما كان بعد العسر يسرًا وربما كتب الله لهذا المريض شفاءً بغير حساب.

وقد استندت الإفتاء في فتواها إلى عدد من الآيات القرآنية المحكمة مثل قوله تعالى في سورة النساء ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ وكذلك قوله تعالى ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ مما يؤكد أن قتل النفس بدون حق شرعي جريمة لا تغتفر.

الإفتاء تستشهد بحديث نبوي للتحذير من الانتحار والقتل الذاتي

ولم تكتفِ الإفتاء بالآيات فقط بل دعّمت فتواها بحديث شريف رواه الصحابي الجليل جندب بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال فيه: «كَانَ بِرَجُلٍ جِرَاحٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ اللهُ: بَدَرَنِى عَبْدِى بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» وهو ما يدل بوضوح على أن من يُنهي حياته بنفسه يُحرم من دخول الجنة وأن هذا الفعل ينافي الإيمان التام والتوكل على الله.

الإفتاء رأت أن الاستناد إلى الرحمة لتبرير هذا السلوك غير جائز شرعًا لأن الشريعة الإسلامية حرصت على حفظ النفس كأحد الضرورات الخمس التي لا يجوز المساس بها تحت أي ظرف مهما كانت المبررات أو النوايا حسنة كما قد يظن البعض، فحياة الإنسان ليست ملكه وإنما هي أمانة من الله لا يجوز التصرّف فيها بإرادة شخصية أو عبر تدخل من طبيب أو ممرض أو حتى جهة طبية مرخّصة.

القتل الرحيم في منظور الشرع.. فتوى مفتي الجمهورية السابق

وفي السياق ذاته ورد سؤال إلى الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف عبر برنامج “نور الدين والدنيا” عن حكم القتل الرحيم خاصة في الحالات التي يتم فيها منع العلاج عن المريض عن قصد، وقد كانت إجابته متطابقة مع ما أكدته الإفتاء حيث اعتبر أن هذا الفعل يُعد من قبيل الانتحار الصريح وهو جريمة مكتملة الأركان يُحاسب عليها الطبيب والممرض وإدارة المستشفى وأي شخص شارك في اتخاذ هذا القرار الخطير.

وأوضح الدكتور علي جمعة أن الألم الذي يعانيه المريض هو في حد ذاته ثواب وابتلاء يُكفّر الذنوب ويرفع الدرجات وقد يُكتب له بسبب هذا الصبر أجر الشهادة إذا مات على الإيمان والصبر، أما إذا تم التخلص من هذا الابتلاء بالقتل الرحيم فإن الإنسان يكون قد رفض هذا الثواب واختار لنفسه طريقًا يخالف أمر الله.

العقل المادي وتجاهل قدرة الله.. نقد شديد للفكر المعاصر

أشار المفتي السابق إلى أن هذه الأفكار تنبع من نظرة مادية بحتة للإنسان لا تراعي الروح ولا تحتكم إلى مفهوم الأمانة والتكليف الشرعي حيث بات الإنسان يُعامل كجهاز يمكن إيقاف تشغيله بمجرد تعطل إحدى وظائفه الحيوية متناسين قدرة الله تعالى على الإحياء والإماتة وعلى الشفاء المفاجئ.

كما نوه علي جمعة إلى أن أغلب دول العالم لا تعترف بما يسمى القتل الرحيم ولا تجيزه في قوانينها إلا في حالات نادرة جدًا وفي دول محدودة لا يتعدى عددها دولتين أو ثلاث لم يسلط عليها الضوء إلا في سياقات حقوقية شائكة ومثيرة للجدل.

الإفتاء تحذر من القتل المتفق عليه

وفي ختام حديثه أشار المفتي السابق إلى صورة أخرى أشد خطرًا من القتل الرحيم وهي القتل بالإتفاق حيث يتفق شخصان على أن يقتل أحدهما الآخر مقابل مبلغ مالي معين وهنا لا يكون القاتل فقط مجرمًا وإنما الضحية أيضًا يكون قد أقدم على الانتحار بشكل مقنع وهو ما يمثل انتكاسًا خطيرًا للقيم الإنسانية والدينية معًا.

لا تهاون في حرمة النفس البشرية

دار الإفتاء كانت واضحة في رسالتها التي أكدت من خلالها أن النفس البشرية مصونة ومحرّمة شرعًا وأن أي تجاوز في هذا الباب يمثل اعتداءً صريحًا على ما حرمه الله تعالى كما أن القتل الرحيم تحت أي مسمى أو وصف لا يختلف عن القتل العمد أو الانتحار بل هو جريمة مركبة لا يبررها الألم ولا يخفف من وطأتها موافقة المريض أو أسرته.

ونبهت دار الإفتاء المسلمين جميعًا إلى ضرورة اللجوء إلى الله والتوكل عليه في السراء والضراء والصبر على البلاء لأن في الصبر رفعة وفي الألم أجر كبير لا يعلمه إلا الله ولا يشعر به إلا من تيقن بأن الله لا يبتلي عبده إلا ليرفعه ويُطهره ويقربه منه.

تم نسخ الرابط