انقسامات عميقة داخل حكومة نتنياهو.. تصدعات عسكرية تهدد مستقبل العمليات في غزة

عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اجتماعًا أمنيًا طارئًا ضم عددًا من وزرائه وقادة الأجهزة الأمنية، بهدف تقييم الوضع الميداني في قطاع غزة، ومناقشة مستقبل العمليات العسكرية في ظل تصاعد التوترات السياسية والعسكرية داخل الحكومة الإسرائيلية.
يأتي هذا الاجتماع في وقت بالغ الحساسية، حيث تعيش إسرائيل واحدة من أكثر لحظاتها تعقيدًا على الصعيدين الأمني والسياسي، مع تزايد الضغوط الداخلية والدولية وتفاقم الانقسامات بين مؤسسات الدولة.
استقالات في المؤسسة العسكرية.. بداية «تطهير» سياسي؟
شهدت الأيام القليلة الماضية هزة عنيفة داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، عقب استقالة رئيس الأركان هرتسي هاليفي وعدد من كبار القادة العسكريين.
ووفقًا لمصادر مطلعة، فإن هذه الاستقالات لم تكن نتيجة خلافات مهنية، بل جاءت في سياق ما أسمته المصادر «عملية تطهير ممنهجة» يقودها نتنياهو ضد من يعارضون سياساته.
وتشير التقارير إلى أن رئيس الوزراء يسعى لإعادة تشكيل القيادة العسكرية العليا بما يتماشى مع رؤيته السياسية، بعد اتهام عدد من الجنرالات بالتقاعس خلال أحداث 7 أكتوبر 2023، حيث فشلت الأجهزة الأمنية والعسكرية في منع الهجوم الذي شنّته حماس.
أزمة ثقة بين الحكومة والجيش
الانقسامات داخل الحكومة الإسرائيلية لم تعد خافية، لكنها بلغت ذروتها مؤخرًا مع تنامي الشكوك المتبادلة بين نتنياهو والمؤسسة العسكرية.
ويرى مراقبون أن رئيس الوزراء يحاول تقويض نفوذ الجيش بعد أن بات الأخير يمثل "مركز ثقل مستقل" داخل الدولة.
وفي خطوة لافتة، أفادت تقارير إسرائيلية بأن نتنياهو يعمل على تشكيل «هيئات أمنية بديلة»، تتبع له مباشرة وتتجاوز القيادة العسكرية التقليدية، في محاولة لسحب البساط من تحت مجلس الحرب الذي تم تشكيله بعد اندلاع الحرب الأخيرة على غزة.
خلافات حادة في اجتماعات الحكومة
الاحتقان لم يقتصر على الجانب العسكري، بل امتد إلى الصف الحكومي نفسه، حيث تصاعدت حدة الخلافات بين الوزراء خلال الاجتماعات الأخيرة، خصوصًا عند مناقشة ملف ميزانية الحرب.
وشهدت جلسة الحكومة انسحاب عدد من الوزراء اعتراضًا على مواقف وزير المالية المتشدد بتسلئيل سموتريتش، الذي يتبنى سياسات اقتصادية قاسية ويصرّ على ربط التمويل العسكري بإصلاحات داخلية مثيرة للجدل.
وبحسب ما ورد في وسائل إعلام عبرية، فقد تبادل الوزراء الاتهامات في اجتماع وصفه البعض بـ«الصاخب والمشحون»، ما يعكس عمق الانقسامات داخل الائتلاف الحكومي بقيادة نتنياهو.
ضغوط متزايدة على نتنياهو داخليًا وخارجيًا
التصدعات السياسية والعسكرية تأتي في وقت تواجه فيه الحكومة الإسرائيلية ضغوطًا متزايدة على الساحة الدولية، خاصة مع تواصل محادثات وقف إطلاق النار في العاصمة القطرية الدوحة، والتي تسعى من خلالها أطراف إقليمية ودولية إلى تهدئة الوضع في غزة.
ويرى محللون أن حالة التخبط داخل الحكومة قد تؤثر سلبًا على قدرة الوفد الإسرائيلي على التفاوض، خصوصًا في ظل غياب التوافق بين السياسيين والعسكريين حول مستقبل العملية العسكرية وشروط التهدئة.
مخاوف من انفلات الأوضاع في الداخل
تثير هذه التوترات المتعددة مخاوف لدى الشارع الإسرائيلي من احتمال فقدان السيطرة على الأوضاع الداخلية، خصوصًا مع تنامي الدعوات إلى التظاهر ضد الحكومة، وتزايد الانتقادات لدور نتنياهو في تعميق الأزمة.
وفي هذا الإطار، قال أحد المحللين العسكريين في صحيفة «هآرتس» إن «محاولة تحميل المؤسسة العسكرية وحدها مسؤولية الإخفاقات قد تؤدي إلى تمرد داخلي غير معلن، وتشجع أطرافًا سياسية أخرى على الانفصال عن نتنياهو».
هل ينجح نتنياهو في عبور الأزمة؟
يبقى السؤال المطروح الآن: هل سيتمكن نتنياهو من السيطرة على الوضع وإعادة ضبط العلاقة بين الحكومة والمؤسسة العسكرية؟ أم أن حالة الانقسام الحالية ستتفاقم إلى درجة قد تهدد استمرار التحالف الحاكم نفسه؟
ما هو مؤكد حتى الآن أن إسرائيل تعيش لحظة استثنائية من التوتر، تتقاطع فيها الأزمات السياسية مع التحولات الأمنية، في وقت تبدو فيه الساحة الداخلية على صفيح ساخن، والضغوط الخارجية لا تقل وطأة.